للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلُحْمَةِ النَّسَبِ (١) لا يُباعُ ولا يُوهَبُ، وغيرُ جائزٍ في الحقيقةِ أن يُضافَ إلى الإنسانِ فعلٌ لم يَقصِدْه ولم يَعلمْ به، فلهذا يَستحيلُ أن يُقالَ: إنَّه وهَبه له، ثم أعتَقه عنه مِن غيرَ توكيلٍ منه.

وأمّا إذا أمَرَه أنْ يُعتِقَ عبدَه عنه فأجابَه المأمورُ إلى ذلك، ثم أعتَق عنه، فإنّما هي هِبةٌ مقبوضةٌ يَنفُذُ فيها التَّوكيلُ والتّسليطُ، والمالُ في ذلك وغيرُ المالِ سواءٌ؛ لأنَّ الهِبةَ والبيعَ في ذلك سواءٌ.

وأمَّا النَّصرانيُّ يُعتِقُ عبدَه المسلمَ قبلَ أن يُباعَ عليه؛ فإنَّ مالكًا وأصحابَه يقولون: ليس له من ولائِه شيءٌ، وولاؤُه لجماعةِ المسلمين، ولا يَرجعُ إليه الولاءُ أبدًا، ولا إلى ورَثَتِه وإن كانوا مسلمين (٢). وحجَّةُ مَن قال بهذا القولِ أنَّ إسلامَ عبدِ النصرانيِّ يَرفَعُ مِلكَه عنه، ويُوجِبُ إخراجَه عن يَدِه، فلمّا كان ملكُه يَرتَفِعُ بإسلامِه لم يَثبُتِ الولاءُ له بعدَ عتقِه، وإذا لم يَثبُتْ له ثبَتَ لجماعةِ المسلمين، وإذا ثبَتَ لهم الولاءُ لم يَنتقِلْ عنهم؛ لأنَّه لُحمةٌ كلُحمةِ النَّسب، وسواءٌ أسلَم سيِّدُه بعدَ ذلك أو لم يُسلِمْ؛ لأنَّ الولاءَ قد ثبَت لجماعةِ المسلمين.

قالوا: والدليلُ على ارتفاع مِلْكِ النَّصرانيِّ عن عبدِه إذا أسلَم عُمومُ قولِ الله تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء: ١٤١]، وقولُه تعالى: {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [ال عمران: ١٣٩]. والحديثُ: "الإسلامُ يَعلُو ولا يُعلَى" (٣).


(١) قوله: "لُحْمة كلُحمة النَّسَب" اللُّحْمة بالضمِّ: القرابة، والفتح لغة، والمعنى: قرابةٌ كقرابة النَّسَب. المصباح المنير (لحم) ٢/ ٥٥١.
(٢) ينظر: المدوّنة ٢/ ٥٦٠.
(٣) أخرجه الرُّوياني في مسنده (٧٨٣)، والدارقطني في سننه ٤/ ٣٧١ (٣٦٢٠)، والبيهقي في الكبرى ٦/ ٢٠٥ (١٢٥١٦)، والضياء المقدسي في المختارة ٨/ ٢٤٠ (٢٩١) من طرفي عن =

<<  <  ج: ص:  >  >>