للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيوبَ لم يُكفِّرْ عنه، والكفَّارةُ قد تكونُ بالعِتقِ وغيرِه؛ لأنَّه لم يبلُغْنا أنَّ شريعةَ أيوبَ كانت في كفَّاراتِ الأيمانِ على غيرِ شريعتِنا، وإذا جاز العِتقُ للإنسانِ عن غيرِه في شريعةِ أيوبَ عليه السلامُ، لم يُنسَخْ ذلك في شريعتِنا بأمرٍ بَيِّنٍ، فالواجبُ الاقتداءُ به؛ لقولِ الله عزَّ وجلَّ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: ٩٠].

وقال ابنُ القاسم: مَن أعتَق عن رجلٍ بغيرِ أمرِه في كفَّارِةٍ، أنَّه يُجزئُه (١).

قال أبو عمر: حجَّتُه في ذلك ما تَقَدَّم، والقياسُ على أداءِ الدَّينِ عن غيرِه بغيرِ إذنِه، أنَّه براءةٌ صحيحةٌ.

قال أبو عمر: إذا صحَّ هذا الأصلُ صحَّ أنَّ الولاءَ للمعتَقِ عنه؛ لأنَّه مستحيلٌ أنْ تُجْزِئَ عنه الكفَّارةُ فيما قد وجَب عليه، والولاءُ لغيرِه، فإذا أجزأَتْ عنه كفَّارةُ غيرِه فالولاءُ له.

وذكَر القاسمُ (٢) بنُ خلفٍ، عن أبي بكرٍ الأَبْهِريِّ، أنَّه قال في مسألةِ ابنِ القاسم هذه: القياسُ أنه لا يجوزُ؛ لأنَّه غيرُ جائزٍ أن يفعَلَ الإنسانُ عن غيرِه شيئًا واجبًا عليه ولا يَصِحُّ إلّا بنِيَّةٍ منه، بغيرِ أمرِه، كالحجِّ والزكاةِ، وكذلك الكفّاراتُ؛ لأنَّها أفعالٌ تُعُبِّدَ بها الإنسانُ، وليس كذلك الدَّينُ، لأنَّه قد يَزولُ عن الإنسانِ بغيرِ أداءٍ؛ وهو أن يُبْرَأَ منه.

قال أبو عمر: من حُجَّةِ مَن لم يُجِزِ العِتقَ عن غيرِه بغيرِ أمرِه قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "الولاءُ لمَن أعتَق". هذا معنَاه عندَهم أنَّ الولاءَ لا يكونُ إلّا لمعتِقٍ، والمعتَقُ عنه عندَهم غيرُ المعتِقِ، فبَطَل ذلك عندَهم؛ لأنَّ الولاءَ لا يَنتَقِلُ، وهو لُحمةٌ


(١) المدوّنة ٢/ ٥٥٨.
(٢) هو: القاسم بن خلف بن فتح بن عبد الله بن جبير الفقيه، أبو عبد الله الجبيري الطرطوشي نزيل قرطبة، المتوفى سنة ٣٧١. وله كتاب في التوسط بين مالك وابن القاسم فيما خالف فيه ابن القاسم مالكًا. (تاريخ ابن الفرضي (١٠٧٥) وتاريخ الإسلام ٨/ ٤٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>