للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو حنيفةَ وأصحابُه والثوريُّ: إن قال: أعتِقْ عبدَك عنِّي. على مالٍ ذكَره، فالولاءُ للمعتَقِ عنه؛ لأنَّه بيعٌ صحيحٌ، فإذا قال: أعتِقْ عبدَكَ عنِّي بغيرِ مالٍ، فأعتَقه، فالولاءُ للمعتِقِ؛ لأنَّ الآمِرَ لم يَملِكْ منه شيئًا، وهي هِبَةُ باطلٍ؛ لأنّها لا يَصحُّ فيها القَبْضُ (١).

وقال الشافعيُّ: إذا أعتقْتَ عبدَك عن رجلٍ حيٍّ أو ميِّتٍ فولاؤُه لك، وإن أعتَقْتَه عنه بأمرِه بعِوَضٍ أو غيرِ عِوَضٍ، فولاؤُه له دونَك، ويُجزئُه بمالٍ وبغيرِ مالٍ، وسواءٌ قَبِلَه المعتَقُ عنه بعدَ ذلك أو لم يَقبَلْه. قال الشافعيُّ: ولا يكونُ ولاءٌ لغيرِ مُعتِقٍ أبدًا (٢). وكذلك قال أحمدُ وداودُ. وقال الأوزاعيُّ فيمَن أعتَقَ عن غيرِه: الولاءُ لمن أعتَقَ (٣). وأجمَعوا أنَّ الوَكالةَ في العتْقِ وغيرِه جائزةٌ. وأمّا أشهبُ فيُجِيزُ كفَّارةَ الإنسانِ عن غيرِه بأمرِه، ولا يُجيزُها بغيرِ أمرِه في العتقِ وغيرِ العتقِ، وسنَذكُرُ ذلك في بابِ سُهيلٍ (٤) إن شاء الله.

فأمَّا حُجَّةُ مالكٍ ومَن ذهَب مذهبَه؛ فمِنها ما حدَّثناه أحمدُ بنُ قاسم بن عبد الرَّحمن وأحمدُ بنُ محمَّد بنِ أحمدَ، قالا: حدَّثنا قاسمُ بنُ أصبغَ، قال: حدَّثنا محمَّدُ بنُ إسماعيلَ، قال: حدَّثنا نُعيمُ بنُ حمادٍ (٥)، قال: حدَّثنا ابنُ المباركِ، قال: حدَّثنا يونسُ بنُ يزيدَ، عن عُقيل بنِ خالدٍ، عن ابنِ شهابٍ، أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط لمحمد بن الحسن الشيباني ٤/ ٢٣٢ - ٢٣٥، والمبسوط للسرخسي ٨/ ٩٩.
(٢) ينظر معنى ما نُقل عن الشافعي في الأمّ ٤/ ٩٨، ٩٠.
(٣) ينظر: الأوسط لابن المنذر ٧/ ٥٣٢، والمغني لابن قدامة ٦/ ٤١٧.
(٤) وهو ابن أبي صالح، وسيأتي ذلك في الحديث الرابع له عن أبي هريرة رضي الله عنه في موضعه إن شاء الله تعالى.
(٥) في زياداته على ما رواه المروزي عن عبد الله بن المبارك في كتاب الزُّهد والرقائق ٢/ ٤٩.
وإسناده إلى ابن شهاب الزُّهري صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>