للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال إسماعيلُ: يعني إياسٌ: لا يكونُ له شيءٌ مِن الولاءِ في هذه الحال التي له فيها فريضةٌ مُسمَّاةٌ؛ لأنَّه لم يَرِثْ في هذا الموضع من طريق العصَبة، وإن كان قد يكونُ عَصَبةً في موضع آخرَ، فيكونُ له الولاءُ.

قال أبو عمر: أجمَع المسلمون على أنَّ المسلمَ إذا أعتَقَ عبدَه المسلمَ عن نفسِه، فإنَّ الولاءَ له، هذا ما لا خِلافَ فيه.

واختَلَفوا فيمَن أعتَق عن غيرِه رقبةً بغيرِ إذنِ المعْتَقِ عنه ودونَ أمرِه، وكذلك اختَلَفوا في النصرانيِّ يُعتِقُ عبدَه المسلمَ قبلَ أن يُباعَ عليه، وفي ولاءِ المعتَقِ سائبةً (١)، وفي ولاءِ الذي يُسلِمُ على يدَي رجلٍ، فقالوا في ذلك أقاويلَ شتَّى، منهم مَن قادَ أصلَه فيها اعتمادًا على قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّما الولاءُ لِمَن أعتَق". ومنهم مَن نزَع به رأيُه وأدَّاهُ اجتهادُه إلى غير ذلك. وأنا أُبيِّنُ قولَ فقهاءِ الأمصارِ في هذه المسائل، وأقتَصِرُ على ذكرِهم في ذلك دُونَ ذكرِ مَن قال بقولهم من التابعين قبلَهم والخالِفِين بعدَهم، على ما اعتمَدنا عليه من أوَّلِ تأليفنا هذا وقصَدناه؛ لئلّا نَخرُجَ عن شَرطِنا ذلك، إذْ كان مُرادُنا فيه الفِرارَ من التخليطِ والإكثارِ، وباللّه التوفيقُ.

فأمَّا عِتْقُ الرجل عن غيرِه؛ فإنَّ مالكًا وأصحابَه إلا أشهبَ قالوا: الولاءُ للمُعتَقِ عنه، سواءٌ أمَر بذلك أو لم يَأمُرْ، إذا كان مسلمًا، فإن كان نصرانيًّا فالولاءُ لجماعةِ المسلمين (٢). وكذلك قال الليثُ بنُ سعدٍ في ذلك كلِّه (٣).


(١) السائبة: العبد الذي يقول له سيِّدُه: لا ولاءَ لأحدٍ عليك، أو: أنت سائبةٌ؛ يريد بذلك عتقَه، وأن لا ولاءَ لأحدٍ عليه، وقد يقول له: أعتقتُكَ سائبةً، أو: أنت حرٌّ، ففي الصِّيغتين الأُولَيينِ عتقه إلى نيَّةٍ، وفي الأُخرَيَينِ يُعتق؛ فالجمهور على كراهيته، وشذَّ من قال بإباحته؛ قاله الحافظ ابن حجر في الفتح ١٢/ ٤١.
وقال القاضي عياض في المشارق ٢/ ٢٣٢: "أجمع الفقهاء على أنه عتيق، لكنهم اختلفوا في كراهته أو إباحته وفي ولائه، هل هو لمُعتِقه، أو لجماعة المسلمين، وكافَّتُهم على أنّ ولاءه لجماعة المسلمين، كأنّه قصد عتقَه عنهم".
(٢) ينظر: المدوّنة ٢/ ٥٥٨، والتهذيب في اختصار المدوّنة للقيرواني ٢/ ٦١٥ (٢١٩٥).
(٣) ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي ٤/ ٤٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>