مُحَمَّدٍ، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمُزَنِيُّ. يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مُدًّا وَقَالَ الثَّوْرِيُّ:
نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، وَصَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ، وَقَالَ قَوْمٌ: عَشَاءٌ وَسَحُورٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: قُوتُ يَوْمٍ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ، يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ، مِنْ بُرٍّ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَيْسِ بْنِ الْكَاتِبِ- الَّذِي كَانَ شَرِيكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ- وَعَائِشَةِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ: أَنَّهُ يُطْعِمُ عَنْهُ كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ: أَنَّهُ يَجِبُ مُطْلَقُ طَعَامٍ، وَيَحْتَاجُ التَّقْيِيدُ إِلَى دَلِيلٍ.
وَلَوْ جُنَّ فِي رَمَضَانَ جَمِيعِهِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ أَفَاقَ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ إِذْ مَنَاطُ التَّكْلِيفِ الْعَقْلُ، وَقَالَ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ: يَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا يَقْضِي الصَّلَاةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدٌ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَزُفَرُ: إِذَا جُنَّ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَفَاقَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ قَضَاهُ كُلَّهُ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ، بِتَنْوِينِ الْفِدْيَةِ، وَرَفْعِ طَعَامُ، وَإِفْرَادِ مِسْكِينٍ، وَهِشَامٌ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ قَرَأَ: مَسَاكِينَ بِالْجَمْعِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ ذَكْوَانَ، بِإِضَافَةِ الْفِدْيَةِ وَالْجَمْعِ وَإِفْرَادِ الْفِدْيَةِ، لِأَنَّهَا مَصْدَرٌ. وَمَنْ نَوَّنَ كَانَ طَعَامُ بَدَلًا مِنْ فِدْيَةٌ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَبْيِينٌ لِلْفِدْيَةِ مَا هِيَ. وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ فَأَضَافَ كَانَ فِي ذَلِكَ تَبْيِينٌ أَيْضًا وَتَخَصُّصٌ بِالْإِضَافَةِ، وَهِيَ إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى جِنْسِهِ، لِأَنَّ الْفِدْيَةَ اسْمٌ لِلْقَدْرِ الْوَاجِبِ، وَالطَّعَامُ يَعُمُّ الْفِدْيَةَ وَغَيْرَهَا، وَفِي (الْمُنْتَخَبِ) أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْإِضَافَةُ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ. قَالَ:
لِأَنَّ الْفِدْيَةَ لَهَا ذَاتٌ، وَصِفَتُهَا أَنَّهَا طَعَامٌ، وَهَذَا لَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأَنَّ طَعَامًا لَيْسَ بِصِفَةٍ، وَهُوَ هُنَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ يُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ كَمَا يُرَادُ بِعَطَاءٍ الْإِعْطَاءُ، أَوْ يَكُونَ يُرَادُ بِهِ الْمَفْعُولُ كَمَا يُرَادُ بِالشَّرَابِ الْمَشْرُوبُ، وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَحْسُنُ بِهِ الْوَصْفُ.
أَمَّا إِذَا كَانَ مَصْدَرًا فَإِنَّهُ لَا يُوصَفُ بِهِ إِلَّا عِنْدَ إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ، وَلَا مَعْنَى لَهَا هُنَا، وَأَمَّا إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَفْعُولُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ جَارِيًا عَلَى فِعْلٍ وَلَا مُنْقَاسًا، فَلَا تَقُولُ: فِي مَضْرُوبٍ ضَرَابٌ، وَلَا فِي مَقْتُولٍ قَتَالٌ، وَإِنَّمَا هُوَ شَبِيهُ الرَّعْيِ وَالطَّحْنِ وَالدَّهْنِ، لَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَلَا يَعْمَلُ عَمَلَ الْمَفْعُولِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا، مَرَرْتُ بِرَجُلٍ طَعَامٌ خُبْزُهُ وَلَا شَرَابٌ مَاؤُهُ، فَيُرْفَعُ مَا بَعْدَهَا بِهَا؟ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَهُوَ ضَعْفٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ، وَمَنْ قَرَأَ مَسَاكِينَ، قَابَلَ الْجَمْعَ بِالْجَمْعِ، وَمَنْ أَفْرَدَ فَعَلَى مُرَاعَاةِ إِفْرَادِ الْعُمُومِ أَيْ: وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُطِيقُ الصَّوْمَ لِكُلِّ يَوْمٍ يُفْطِرُهُ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ، وَنَظِيرُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute