وَاخْتَلَفُوا فِي الِانْتِفَاعِ بِشِعْرِهِ، فِي خَرَزِ وَغَيْرِهِ، فَأَجَازَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: أَكْرَهُ الْخَرَزَ بِهِ. وَرُوِيَ عَنْهُ الْإِبَاحَةُ أَيْضًا. وَهَلْ يَتَنَاوَلُ لَفْظُ الْخِنْزِيرِ خِنْزِيرَ الْبَحْرِ؟ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ؟ فَمَنَعُوا مِنْ أَكْلِهِ؟ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: لَا يُؤْكَلُ خِنْزِيرُ الْمَاءِ، وَلَا إِنْسَانُهُ، وَلَا كَلْبُهُ. وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ خِنْزِيرِ الْمَاءِ، فَتَوَقَّفَ وَقَالَ: أَنْتُمْ تُسَمُّونَهُ خِنْزِيرًا. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَنَا أَتَّقِيهِ وَلَا أُحَرِّمُهُ. وَعِلَّةُ تَحْرِيمِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ قَالُوا:
تَفَرَّدَ النَّصَارَى بِأَكْلِهِ، فَنُهِيَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ أَكْلِهِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى أَنْ تُقَاطِعُوهُمْ، إِذْ كَانَ الْخِنْزِيرُ مِنْ أَنْفَسِ طَعَامِهِمْ. وَقِيلَ: لِكَوْنِهِ مَمْسُوخًا، فَغَلَّظَ تَحْرِيمَ أَكْلِهِ لِخُبْثِ أَصْلِهِ.
وَقِيلَ: لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْغَيْرَةَ وَيَذْهَبُ بِالْأَنَفَةِ، فَيَتَسَاهَلُ النَّاسُ فِي هَتْكِ الْمُحَرَّمِ وَإِبَاحَةِ الزِّنَا، وَلَمْ تُشِرِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ التَّعْلِيلَاتِ الَّتِي ذَكَرُوهَا.
وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ أَيْ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ وَالطَّوَاغِيتِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ، أَوْ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ اسْمُ غَيْرِ اللَّهِ، قَالَهُ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُ، أَوْ مَا ذُكِرَ اسْمُ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ، قَالَهُ الزُّهْرِيُّ،
أَوْ مَا قُصِدَ بِهِ غَيْرُ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى لِلتَّفَاخُرِ وَالتَّبَاهِي، قَالَهُ عَلِيٌّ
وَالْحَسَنُ.
وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي الْإِبِلِ الَّتِي نَحَرَهَا غَالِبٌ أَبُو الْفَرَزْدَقِ: إِنَّهَا مِمَّا أُهِلَّ بِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ، فَتَرَكَهَا النَّاسُ، رَاعَى عَلِيٌّ النِّيَّةَ فِي ذَلِكَ.
وَمَنَعَ الْحَسَنُ مِنْ أَكْلِ جَزُورٍ ذَبَحَتْهَا امْرَأَةٌ لِلَعِبِهَا وَقَالَ: إِنَّهَا نَحَرَتْ لِصَنَمٍ. وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ أَكْلِ مَا يَذْبَحُهُ الْأَعَاجِمُ لِأَعْيَادِهِمْ وَيَهْدُونَ لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَتْ: لَا تَأْكُلُوهُ، وَكُلُوا مِنْ أَشْجَارِهِمْ. وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنَ الْآيَةِ تَحْرِيمُ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، فَيَنْدَرِجُ فِي لَفْظِ غَيْرِ اللَّهِ الصَّنَمُ وَالْمَسِيحُ وَالْفَخْرُ وَاللَّعِبُ، وَسُمِّيَ ذَلِكَ إِهْلَالًا، لِأَنَّهُمْ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِاسْمِ الْمَذْبُوحِ لَهُ عِنْدَ الذَّبِيحَةِ، ثُمَّ تَوَسَّعَ فِيهِ وَكَثُرَ حَتَّى صَارَ اسْمًا لِكُلِّ ذَبِيحَةٍ جُهِرَ عَلَيْهَا أَوْ لَمْ يُجْهَرْ، كَالْإِهْلَالِ بِالتَّلْبِيَةِ صَارَ عَلَمًا لِكُلِّ مُحْرِمٍ رَفَعَ صَوْتَهُ أَوْ لَمْ يَرْفَعْهُ. وَمَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ، وَهِيَ الْأَوْثَانُ، أَجَازَ ذَبِيحَةَ النَّصْرَانِيِّ، إِذَا سَمَّى عَلَيْهَا بِاسْمِ الْمَسِيحِ. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ إِذَا سَمَّوْا عَلَيْهَا اسْمَ الْمَسِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: لِغَيْرِ اللَّهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، لِأَنَّ الْإِهْلَالَ لِغَيْرِ اللَّهِ، هُوَ إِظْهَارُ غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اسْمِ الْمَسِيحِ وَاسْمِ غَيْرِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا سَمِعْتُمُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُهِلُّونَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَلَا تَأْكُلُوا.
وَأُهِلَّ: مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. وَالْمَفْعُولُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ هو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute