إِنَّ الْخَلِيفَةَ إِنَّ اللَّهَ سَرْبَلَهُ ... سِرْبَالَ مُلْكٍ بِهِ تُرْجَى الْخَوَاتِيمُ
وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ شَبَّهَ الْبَيْتَ بِالْآيَةِ، وَكَذَلِكَ قَرَنَهُ الزَّجَّاجُ بِالْآيَةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْتُ كَالْآيَةِ لِأَنَّ الْبَيْتِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ إِنَّ الْخَلِيفَةَ قَوْلُهُ: بِهِ تُرْجَى الْخَوَاتِيمُ، وَيَكُونُ إِنَّ اللَّهَ سَرْبَلَهُ سِرْبَالَ مُلْكٍ جُمْلَةً اعْتِرَاضِيَّةً بَيْنَ اسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا بِخِلَافِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ قَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ وَحَسَّنَ دُخُولَ إِنَّ عَلَى الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ خَبَرًا طُولُ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا بِالْمَعَاطِيفِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هُوَ بِصَيْرُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْكَافِرِينَ إِلَى النَّارِ، وَنَاسَبَ الختم بقوله شَهِيدٌ الْفَصْلُ بَيْنَ الْفَرْقِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: الْفَصْلُ مُطْلَقٌ يَحْتَمِلُ الْفَصْلَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَمَاكِنِ جَمِيعًا فَلَا يُجَازِيهِمْ جَزَاءً وَاحِدًا بِغَيْرِ تَفَاوُتٍ، وَلَا يَجْمَعُهُمْ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ. وَقِيلَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَقْضِي بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّجُودَ هُنَا عِبَارَةٌ عَنْ طَوَاعِيَةِ مَا ذَكَرَ تَعَالَى وَالِانْقِيَادِ لِمَا يُرِيدُهُ تَعَالَى، وَهَذَا مَعْنَى شَمِلَ مَنْ يَعْقِلُ وَمَا لَا يَعْقِلُ، وَمَنْ يَسْجُدُ سُجُودَ التَّكْلِيفِ وَمَنْ لَا يَسْجُدُهُ، وَعَطَفَ عَلَى مَا مَنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَفِي السَّماواتِ الْمَلَائِكَةُ كانت تعبدها «١» والشَّمْسُ عَبَدَتْهَا حِمْيَرُ. وَعَبَدَ الْقَمَرُ كِنَانَةُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَالدَّبَرَانَ تَمِيمٌ. وَالشِّعْرَى لَخْمٌ وقريش. والثريا طيىء وَعُطَارِدًا أَسَدٌ. وَالْمُرْزِمُ رَبِيعَةُ. وفِي الْأَرْضِ مَنْ عُبِدَ مِنَ الْبَشَرِ وَالْأَصْنَامِ الْمَنْحُوتَةِ مِنَ الْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالْبَقَرُ وَمَا عُبِدَ مِنَ الْحَيَوَانِ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ وَالدَّوَابُّ بِتَخْفِيفِ الْبَاءِ. قَالَ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيُّ وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِرَارًا مِنَ التَّضْعِيفِ مِثْلُ ظَلَّتْ وَقَرَنَ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ قَوْلِهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ لِعُمُومِهِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ لِخُصُوصِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَطْفُ وَكَثِيرٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنَ الْمُفْرَدَاتِ الْمَعْطُوفَةِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ يَسْجُدُ إِذْ يَجُوزُ إِضْمَارُ يَسْجُدُ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ سُجُودَ عِبَادَةٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى لَا أَنَّهُ يُفَسِّرُهُ يَسْجُدُ الْأَوَّلُ لِاخْتِلَافِ الِاسْتِعْمَالَيْنِ، وَمَنْ يَرَى الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ يُجِيزُ عَطْفَ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ عَلَى الْمُفْرَدَاتِ قَبْلَهُ، وَإِنِ اخْتَلَفَ السُّجُودُ عِنْدَهُ بِنِسْبَتِهِ لِمَا لَا يَعْقِلُ وَلِمَنْ يَعْقِلُ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَى مُقَابَلَةِ الَّذِينَ فِي الْجُمْلَةِ بَعْدَهُ أَيْ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مُثَابٌ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ النَّاسِ خَبَرًا لَهُ أَيْ مِنَ النَّاسِ الذين
(١) بياض بجميع الأصول.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute