حَيْوَةَ: كَمَا بَعِدَتْ بِضَمِّ الْعَيْنِ مِنَ الْبُعْدِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْقُرْبِ، وَالْجُمْهُورُ بِكَسْرِهَا، أَرَادَتِ الْعَرَبُ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ الْبُعْدِ مِنْ جِهَةِ الْهَلَاكِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَغَيَّرُوا الْبِنَاءَ وَقِرَاءَةُ السُّلَمِيِّ جَاءَتْ على الأصل اعتبار المعنى الْبُعْدِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ كَمَا يُقَالُ: ذَهَبَ فُلَانٌ، وَمَضَى فِي مَعْنَى الْقُرْبِ. وقيل: معناه بعد الهم مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ كَمَا بَعُدَتْ ثَمُودُ مِنْهَا. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: بَعُدَ يَبْعُدُ إِذَا كَانَ بُعْدُهُ هَلَكَةً، وبعد يبعد إذا أتاني. وَقَالَ النَّحَّاسُ: الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ بَعُدَ يَبْعُدُ بُعْدًا وَبَعَدًا إِذَا هَلَكَ. وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ: بَعُدَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَبَعِدَ فِي الشَّرِّ خَاصَّةً. وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يُسَوِّي بَيْنَ الْهَلَاكِ وَالْبُعْدِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْقُرْبِ، فَيَقُولُ فِيهِمَا بَعُدَ يَبْعُدُ، وَبَعِدَ يَبْعُدُ. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الرَّيْبِ: فِي بَعُدَ بِمَعْنَى هَلَكَ:
يَقُولُونَ لَا تبعدوهم يَدْفِنُونَنِي ... وَأَيْنَ مَكَانُ الْبُعْدِ إلا مكانيا
وبعد الفلان دُعَاءٌ عَلَيْهِ، وَلَا يُدْعَى بِهِ إِلَّا عَلَى مُبْغَضٍ كَقَوْلِكَ: سُحْقًا لِلْكَافِرِينَ.
وَقَالَ أَهْلُ عِلْمِ الْبَيَانِ: لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ اسْتِطْرَادٌ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ، وَالِاسْتِطْرَادُ قَالُوا: هُوَ أَنْ تَمْدَحَ شَيْئًا أَوْ تَذُمَّهُ، ثُمَّ تَأْتِي فِي آخِرِ الْكَلَامِ بِشَيْءٍ هُوَ غَرَضُكَ فِي أَوَّلِهِ. قَالَ حَسَّانُ:
إِنْ كُنْتِ كَاذِبَةَ الَّذِي حَدَّثْتِنِي ... فنجوت منجى الحرث بْنِ هِشَامِ
تَرَكَ الْأَحِبَّةَ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُمْ ... وَنَجَا بِرَأْسِ طِمِرَّةٍ وَلِجَامِ
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ. إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ. يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ. وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ: الْآيَاتُ الْمُعْجِزَاتُ التِّسْعُ: الْعَصَا، وَالْيَدُ، وَالطُّوفَانُ، وَالْجَرَادُ، وَالْقُمَّلُ، وَالضَّفَادِعُ، وَالدَّمُ، وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْدَلَ النَّقْصَ بِإِظْلَالِ الْجَبَلِ. وَقِيلَ: الْآيَاتُ التَّوْرَاةُ، وَهَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ، لِأَنَّهُ قَالَ إِلَى فِرْعَوْنَ وملائه، وَالتَّوْرَاةُ إِنَّمَا نَزَلَتْ بَعْدَ هلاك فرعون وملائه. وَالسُّلْطَانُ الْمُبِينُ هُوَ الْحُجَجُ الْوَاضِحَةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ: وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ فِيهَا أَيْ فِي الْآيَاتِ، وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا الْعَصَا لِأَنَّهَا أَبْهَرُ تِلْكَ الْآيَاتِ، فَنَصَّ عَلَيْهَا كَمَا نَصَّ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّشْرِيفِ بِالذِّكْرِ.
وَالظَّاهِرُ أَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ: أَمْرَ فِرْعَوْنَ أَمْرَهُ إِيَّاهُمْ بِالْكُفْرِ وَجَحْدِ مُعْجِزَاتِ مُوسَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الطَّرِيقَ وَالشَّأْنَ. وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ: نَفَى عَنْهُ الرُّشْدَ، وَذَلِكَ تَجْهِيلٌ لِمُتَّبِعِيهِ حَيْثُ شَايَعُوهُ عَلَى أَمْرِهِ، وَهُوَ ضَلَالٌ مُبِينٌ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ فِيهِ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنَ الْعَقْلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute