قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. لَمَّا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ أَخُوهُ اسْتَغْفَرَ لِنَفْسِهِ وَلَهُ قَالُوا وَاسْتِغْفَارُهُ لِنَفْسِهِ بِسَبَبِ فِعْلَتِهِ مَعَ أَخِيهِ وَعَجَلَتِهِ فِي إِلْقَاءِ الْأَلْوَاحِ وَاسْتِغْفَارُهُ لِأَخِيهِ مِنْ فِعْلَتِهِ فِي الصَّبْرِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ قَالُوا: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِغْفَارُ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ لَمَّا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ أَخُوهُ وَذَكَرَ شَمَاتَةَ الْأَعْدَاءِ، قالَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي لِيُرْضِيَ أَخَاهُ وَيُظْهِرَ لِأَهْلِ الشَّمَاتَةِ رِضَاهُ عَنْهُ فلا يتمّ لَهُمْ شَمَاتَتُهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لِنَفْسِهِ مِمَّا فَرَطَ مِنْهُ إِلَى أَخِيهِ وَلِأَخِيهِ أَنْ عَسَى فَرَّطَ فِي حِينِ الْخِلَافَةِ وَطَلَبَ أَنْ لَا يَتَفَرَّقَا عَنْ رَحْمَتِهِ وَلَا تَزَالَ مُتَضَمِّنَةً لَهُمَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ انْتَهَى، وَقَوْلُهُ وَلِأَخِيهِ أَنْ عَسَى فَرَّطَ إِنْ كَانَتْ أَنْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَتَكُونُ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَيُقَرِّبُ مَعْنَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فَتَكُونُ لِلشَّرْطِ وَلَا يَصِحُّ إِذْ ذَاكَ دُخُولُهَا عَلَى عَسَى لِأَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ لَا تَدْخُلُ عَلَى الْفِعْلِ الْجَامِدِ.
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ. الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إِخْبَارًا عَمَّا يَنَالُ عُبَّادَ الْعِجْلِ وَمُخَاطَبَةً لِمُوسَى بِمَا يَنَالُهُمْ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ بَقِيَّةِ كَلَامِ مُوسَى إِلَى قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَأَصْدَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ وَالْأَوَّلُ الظَّاهِرُ لِقَوْلِهِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ فِي نَسَقٍ وَاحِدٍ مَعَ الْكَلَامِ قَبْلَهُ وَالْمَعْنَى اتخذوه إلها لِقَوْلِهِ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا: هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى، قِيلَ: وَالْغَضَبُ فِي الْآخِرَةِ وَالذِّلَّةُ فِي الدُّنْيَا وَهُمْ فِرْقَةٌ مِنَ الْيَهُودِ أُشْرِبُوا حُبَّ الْعِجْلِ فَلَمْ يَتُوبُوا، وَقِيلَ: هُمْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ رُجُوعِ مُوسَى مِنَ الْمِيقَاتِ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُوَ ما أمروا به من قَتْلِ أَنْفُسِهِمْ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَالذِّلَّةُ خُرُوجُهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَنَّ ذُلَّ الْغُرْبَةِ مَثَلٌ مَضْرُوبٌ انْتَهَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ اسْتِمْرَارُ انْقِطَاعِهِمْ عَنْ دِيَارِهِمْ لِأَنَّ خُرُوجَهُمْ كَانَ سَبَقَ عَلَى عِبَادَةِ الْعِجْلِ، وَقَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: هُوَ فِي قَتْلِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَإِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ لِأَنَّهُمْ تَوَلَّوْا مُتَّخِذِي الْعِجْلِ، وَقِيلَ: مَا نَالَ أَوْلَادُهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من السَّبْيِ وَالْجَلَاءِ وَالْجِزْيَةِ وَغَيْرِهَا، وَجَمَعَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ: هُوَ مَا نَالَ أبناءهم وهم بنو قريضة وَالنَّضِيرِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقَتْلِ وَالْجَلَاءِ وَمِنَ الذِّلَّةِ بِضَرْبِ الْجِزْيَةِ انْتَهَى، وَالْغَضَبُ إِنْ أُخِذَ بِمَعْنَى الْإِرَادَةِ فَهُوَ صِفَةُ ذَاتٍ أَوْ بِمَعْنَى الْعُقُوبَةِ فَهُوَ صِفَةُ فِعْلٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ سَيَنالُهُمْ، وَكَذَلِكَ أَيْ مِثْلُ ذَلِكَ النَّيْلِ مِنَ الْغَضَبِ وَالذِّلَّةِ نَجْزِي مَنِ افْتَرَى الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ وَأَيُّ افْتِرَاءٍ أَعْظَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ هَذَا إِلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسى والْمُفْتَرِينَ عَامٌّ فِي كُلِّ مُفْتَرٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute