للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلَّمَهُ فِي أَوَّلِ الْأَرْبَعِينَ

انْتَهَى،

وَقَالَ وَهْبٌ كَلَّمَهُ فِي أَلْفِ مَقَامٍ وَعَلَى أَثَرِ كُلِّ مَقَامٍ يُرَى نُورٌ عَلَى وَجْهِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَمْ يَقْرَبِ النِّسَاءَ مُذْ كَلَّمَهُ اللَّهُ

وَقَدْ أَوْرَدُوا هُنَا الْخِلَافَ الَّذِي فِي كَلَامِ اللَّهِ وَهُوَ مَذْكُورٌ وَدَلَائِلُ الْمُخْتَلِفِينَ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ أُصُولِ الدِّينِ وَكَلَّمَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى جاءَ، وَقِيلَ حَالَ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ وَكَلَّمْنَاهُ إِلَى قَوْلِهِ وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ لِلْمَعْنَى الَّذِي عَدَلَ إِلَى قَوْلِهِ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ وفَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ.

قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ. قَالَ السُّدِّيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ: لَمَّا كَلَّمَهُ وَخَصَّهُ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ طَمَحَتْ هِمَّتُهُ إِلَى رُتْبَةِ الرُّؤْيَةِ وَتَشَوَّفَ إِلَى ذَلِكَ فَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ نَفْسَهُ. قَالَ الزَّجَّاجُ: شَوَّقَهُ الْكَلَامُ فَعِيلَ صَبْرُهُ فَحَمَلَهُ عَلَى سُؤَالِ الرُّؤْيَةِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ: لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْهِ فِي الرُّؤْيَةِ فَظَنَّ أَنَّ السُّؤَالَ فِي هَذَا الْوَقْتِ جَائِزٌ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: غَارَ الشَّيْطَانُ فِي الْأَرْضِ فَخَرَجَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ إِنَّمَا يُكَلِّمُكَ شَيْطَانٌ فَسَأَلَ الرُّؤْيَةَ وَلَوْ لَمْ تَجُزِ الرُّؤْيَةُ مَا سَأَلَهَا؟ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:

وَرُؤْيَةُ اللَّهِ عِنْدَ الْأَشْعَرِيَّةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ جَائِزَةٌ عَقْلًا لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْجُودٌ تَصِحُّ رُؤْيَتُهُ وَقَرَّرَتِ الشَّرِيعَةُ رُؤْيَةَ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ وَمَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا بِظَوَاهِرِ الشَّرْعِ فَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَسْأَلْ مُحَالًا وَإِنَّمَا سَأَلَ جَائِزًا وَقَوْلُهُ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ «١» الْآيَةَ لَيْسَ بِجَوَابِ مَنْ سَأَلَ مُحَالًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِنُوحٍ عليه السلام: فَلا تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ «٢» فَلَوْ سَأَلَ مُوسَى مُحَالًا لَكَانَ فِي الْجَوَابِ زَجْرٌ مَا وَتَيْئِيسٌ، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُ: فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَنْ تَرَانِي فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ لَنْ تَقْدِرَ أَنْ تَرَانِي، وَقِيلَ لَنْ تَرَانِي بِسُؤَالِكَ، وَقِيلَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ سَتَرَانِي حِينَ أَتَجَلَّى لِلْجَبَلِ.

قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإِنْ قُلْتَ) : كَيْفَ طَلَبَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِاللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَجُوزُ وَبِتَعَالِيهِ عَنِ الصِّفَةِ الَّتِي هِيَ إِدْرَاكٌ بِبَعْضِ الْحَوَاسِّ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا كَانَ فِي جِهَةٍ وَمَا لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا عَرَضٍ فَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَةٍ ومنع المجيرة إِحَالَتُهُ فِي الْعُقُولِ غَيْرُ لَازِمٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَوَّلِ مُكَابَرَتِهِمْ وَارْتِكَابِهِمْ وَكَيْفَ يَكُونُ طَالِبَهُ وَقَدْ قَالَ حِينَ أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ الَّذِينَ قَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً «٣» أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِلَى قَوْلِهِ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ «٤» فَتَبَرَّأَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَدَعَاهُمْ سُفَهَاءَ وَضُلَّالًا، (قُلْتُ) : مَا كَانَ طَلَبُهُ الرُّؤْيَةَ إِلَّا لِيُسْكِتَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ دَعَاهُمْ سُفَهَاءَ وَضُلَّالًا وَتَبَرَّأَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَلِيُلْقِمَهُمُ الْحُجَّةَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ حِينَ طَلَبُوا الرُّؤْيَةَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وأعلمهم الخطأ


(١) سورة الأعراف: ٧/ ١٤٣.
(٢) سورة هود: ١١/ ٤٦.
(٣) سورة النساء: ٤/ ١٥٣.
(٤) سورة الأعراف: ٧/ ١٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>