عِلْمَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالصُّحُفِ، وَالْمُرَادُ عُلَمَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَهُوَ عَامٌّ بِمَعْنَى الْخُصُوصِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَكُونُ اسْتِئْنَافًا وَتَتَضَمَّنُ الِاسْتِشْهَادَ بِمُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَالطَّعْنَ عَلَى مُشْرِكِيهِمْ وَحَسَدَتِهِمْ، وَالْعَضُدُ فِي الدِّلَالَةِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ يَعْلَمُ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ حَقٌّ لِتَصْدِيقِهِ كُتُبَهُمْ وَمُوَافَقَتِهِ لَهَا.
فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. قِيلَ: الْخِطَابُ لِلرَّسُولِ خِطَابٌ لِأُمَّتِهِ. وَقِيلَ: لِكُلِّ سَامِعٍ أَيْ إِذَا ظَهَرَتِ الدِّلَالَةُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْتَرَى فِيهِ. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ بَابِ التَّهْيِيجِ وَالْإِلْهَابِ كَقَوْلِهِ: وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَقِيلَ: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فِي أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ وَلَا يَرِيبُكَ جُحُودُ أَكْثَرَهِمْ وَكَفْرُهُمْ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَحَفْصٌ مُنَزَّلٌ بِالتَّشْدِيدِ وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ.
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلًا لَمَّا تَقَدَّمَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ إِلَى هُنَا دَلَائِلُ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْبَعْثِ وَالطَّعْنِ عَلَى مُخَالِفِي ذَلِكَ وَكَانَ مِنْ هُنَا إِلَى آخَرِ السُّورَةِ أَحْكَامٌ وَقَصَصٌ، نَاسَبَ ذِكْرُ هَذِهِ الْآيَاتِ هُنَا أَيْ تَمَّتْ أَقْضِيَتُهُ وَأَقْدَارُهُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَلِمَاتُهُ هُوَ الْقُرْآنُ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كُلُّ مَا أَخْبَرَ بِهِ وَأَمَرَ وَنَهَى وَوَعَدَ وَأَوْعَدَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: صِدْقًا فِي الْوَعْدِ وَعَدْلًا فِي الْوَعِيدِ. وَقِيلَ: فِي مَا تَضَمَّنَ مِنْ خَبَرٍ وَحُكْمٍ أَوْ فِيمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، أَوْ فِيمَا أَمَرَ وَمَا نَهَى أَوْ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ أَوْ فِيمَا قَالَ: هَؤُلَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ وَهَؤُلَاءِ إِلَى النَّارِ أَوْ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ أَوْ فِي نُصْرَةِ أَوْلِيَائِهِ وَخِذْلَانِ أَعْدَائِهِ، أَوْ فِي نُصْرَةِ الرَّسُولِ بِبَدْرٍ وَإِهْلَاكِ أَعْدَائِهِ أَوْ فِي الْإِرْشَادِ وَالْإِضْلَالِ أَوْ فِي الْغُفْرَانِ وَالتَّعْذِيبِ، أَوْ فِي الْفَضْلِ وَالْمَنْعِ أَوْ فِي تَوْسِيعِ الرِّزْقِ وَتَقْتِيرِهِ أَوْ فِي إِعْطَائِهِ وَبَلَائِهِ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ أَوَّلُ الْقَوْلِ فُسِّرَ بِهِ الصِّدْقُ وَالْمَعْطُوفُ فُسِّرَ بِهِ الْعَدْلُ، وَأَعْرَبَ الْحَوْفِيُّ وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَأَبُو الْبَقَاءِ صِدْقاً وَعَدْلًا مَصْدَرَيْنِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ وَالطَّبَرِيُّ تَمْيِيزًا وَجَوَّزَهُ أَبُو الْبَقَاءِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: هُوَ غَيْرُ صَوَابٍ وَزَادَ أَبُو الْبَقَاءِ مَفْعُولًا مِنْ أَجْلِهِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى فِي تَمَّتْ أَنَّهَا كَانَ بِهَا نَقْصٌ فَكَمَلَتْ وَإِنَّمَا الْمَعْنَى اسْتَمَرَّتْ وَصَحَّتْ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «وَتَمَّ حَمْزَةُ عَلَى إِسْلَامِهِ» .
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ «١» أَيِ اسْتَمَرَّتْ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ نُفُوذِ أَقْضِيَتِهِ. وقرأ الكوفيون هنا وفي يونس في الموضعين وفي المؤمن كَلِمَةُ بِالْإِفْرَادِ وَنَافِعٌ جَمِيعَ ذَلِكَ كَلِمَاتُ بِالْجَمْعِ تَابَعَهُ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ هنا.
(١) سورة هود: ١١/ ١١٩.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute