للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اشْتَرَيْتُ ثَوْبًا وَآخَرَ، وَيَعْنِي بِهِ: غَيْرَ ثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ، فَعَلَى هَذَا تَجْوِيزُهُمْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ:

بِآخَرِينَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ مَا تَقَدَّمَ وَهُمُ النَّاسُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ غَيْرٍ وَبَيْنَ آخَرَ، لِأَنَّ غَيْرًا تَقَعُ عَلَى الْمُغَايِرِ فِي جِنْسٍ أَوْ فِي صِفَةٍ، فَتَقُولُ: اشْتَرَيْتُ ثَوْبًا وَغَيْرَهُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ثَوْبٍ وَقَلَّ مَنْ يَعْرِفُ هَذَا الْفَرْقَ.

وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً أَيْ عَلَى إِذْهَابِكُمْ وَالْإِتْيَانِ بِآخَرِينَ. وَأَتَى بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْقُدْرَةِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ، وَهَذَا غَضَبٌ عَلَيْهِمْ وَتَخْوِيفٌ، وَبَيَانٌ لِاقْتِدَارِهِ.

مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ، أَيْ مَنْ كَانَ لَا رَغْبَةَ لَهُ إِلَّا فِي ثَوَابِ الدُّنْيَا وَلَا يَعْتَقِدُ أَنَّ ثَمَّ سِوَاهُ فَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ، بَلْ عِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدَّارَيْنِ. فَمَنْ قَصَدَ الْآخِرَةَ أَعْطَاهُ مِنْ ثَوَابِ الدُّنْيَا وَأَعْطَاهُ قَصْدَهُ، وَمَنْ قَصَدَ الدُّنْيَا فَقَطْ أَعْطَاهُ مِنَ الدُّنْيَا مَا قُدِّرَ لَهُ، وَكَانَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ الْعَذَابُ. وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى مَنْ عَبَدَ الْأَصْنَامَ طَلَبًا لِلْعِزِّ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ عِزُّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَوْ لِلتَّقْرِيبِ وَالشَّفَاعَةِ أَيْ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَكِنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَعِنْدَهُ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، لَا عِنْدَ مَنْ تَطْلُبُونَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ فِي أَهْلِ النفاق الذين يراؤون بِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ فِي الدُّنْيَا لِثَوَابِ الدُّنْيَا لَا غَيْرَ.

وَمَنْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا شَرْطٌ وَجَوَابُهُ الْجُمْلَةُ الْمَقْرُونةُ بِفَاءِ الْجَوَابِ: وَلَا بُدَّ فِي الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ جَوَابًا لِاسْمِ الشَّرْطِ غَيْرِ الظَّرْفِ مِنْ ضَمِيرٍ عَائِدٌ عَلَى اسْمِ الشَّرْطِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ الْجَزَاءُ بِالشَّرْطِ، وَالتَّقْدِيرُ: ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَهُ إِنْ أَرَادَهُ، هَكَذَا قَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِيرُ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، وَلْيَطْلُبِ الثَّوَابَيْنِ، فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَبْكِيتٌ لِلْإِنْسَانِ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ السُّؤَالَيْنِ مَعَ كَوْنِ الْمَسْئُولِ مَالِكًا لِلثَّوَابَيْنِ، وَحَثَّ عَلَى أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ تَعَالَى مَا هُوَ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ مِنْ مَطْلُوبِهِ، فَمَنْ طَلَبَ خَسِيسًا مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَطْلُبَ نَفِيسًا فَهُوَ دَنِيءُ الْهِمَّةِ.

قِيلَ: وَالْآيَةُ وَعِيدٌ لِلْمُنَافِقِينَ لَا يُرِيدُونَ بِالْجِهَادِ غَيْرَ الْغَنِيمَةِ. وَقِيلَ: هِيَ حَضٌّ عَلَى الْجِهَادِ.

وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً أَيْ سَمِيعًا لِأَقْوَالِهِمْ، بَصِيرًا بِأَعْمَالِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>