للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْحَابِنَا وَشُيُوخِنَا فَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الشِّعْرِ، لِأَنَّكَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تَأْتِيَ بِهِ مُتَّصِلًا فَتَقُولُ: آتِيكَ وَزَيْدًا. وَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ: رَأَيْتُ زَيْدًا وَإِيَّاكَ إِلَّا فِي الشِّعْرِ، وَهَذَا وَهْمٌ فَاحِشٌ، بَلْ مِنْ مُوجَبِ انْفِصَالِ الضَّمِيرِ كَوْنُهُ يَكُونُ مَعْطُوفًا فَيَجُوزُ قَامَ زَيْدٌ وَأَنْتَ، وَخَرَجَ بَكْرٌ وَأَنَا، لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ. فَكَذَلِكَ ضَرَبْتُ زَيْدًا وَإِيَّاكَ.

وَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ هُوَ عَامٌّ فِي الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ، وَلَا ضرورة تدعوا إِلَى تَخْصِيصِ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، لِأَنَّ وَصِيَّةَ اللَّهِ بِالتَّقْوَى لَمْ تَزَلْ مُذْ أَوْجَدَ الْعَالَمَ، فَلَيْسَتْ مَخْصُوصَةً بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَأَنِ اتَّقُوا: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً أَيْ: بِأَنِ اتَّقُوا اللَّهَ، وَأَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً التَّقْدِيرُ أَيِ: اتَّقُوا اللَّهَ لِأَنَّ وَصَّيْنَا فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ.

وَإِنْ تَكْفُرُوا ظَاهِرُهُ الْخِطَابُ لِمَنْ وَقَعَ لَهُ الْخِطَابُ بِقَوْلِهِ: وَإِيَّاكُمْ، وَهُمْ هَذِهِ الْأُمَّةُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لِلَّذِينِ أُوتُوا الْكِتَابَ وَلِلْمُخَاطَبِينَ، وَغَلَبَ الْخِطَابُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ كَمَا تَقُولُ: قُلْتُ لِزَيْدٍ ذَلِكَ لَا تَضْرِبْ عَمْرًا، وَكَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ وَأَنْتَ تَخْرُجَانِ.

فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَيْ أَنْتُمْ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يَمْلِكُهُ تَعَالَى وَهُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِيكُمْ، إِذْ هُوَ خَالِقُكُمْ وَالْمُنْعِمُ عَلَيْكُمْ بِأَصْنَافِ النِّعَمِ وَأَنْتُمْ مَمْلُوكُونَ لَهُ، فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ تَكْفُرُوا مَنْ هُوَ مَالِكُكُمْ وتخالفون مره، بَلْ حَقُّهُ أَنْ يُطَاعَ وَلَا يُعْصَى، وَأَنْ يُتَّقَى عِقَابُهُ وَيُرْجَى ثَوَابُهُ، وَلِلَّهِ مَا فِي سَمَائِهِ وَأَرْضِهِ مَنْ يُوَحِّدُهُ وَيَعْبُدُهُ وَلَا يَعْصِيهِ.

وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا أَيْ عَنْ خَلْقِهِ وَعَنْ عِبَادَتِهِمْ لَا تَنْفَعُهُ طَاعَتُهُمْ، وَلَا يَضُرُّهُ كُفْرُهُمْ.

حَمِيداً أَيْ مُسْتَحِقًّا لِأَنْ يُحْمَدَ لِكَثْرَةِ نِعَمِهِ وَإِنْ كَفَرْتُمُوهُ أَنْتُمْ.

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا الْوَكِيلُ الْقَائِمُ بِالْأُمُورِ الْمُنْفِذُ فِيهَا مَا يَرَاهُ، فَمَنْ لَهُ ملك ما في السموات وَالْأَرْضِ فَهُوَ كَافٍ فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ لَا يَعْتَمِدُ عَلَى غَيْرِهِ. وَأَعَادَ قَوْلَهُ: ولله ما في السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسَبِ السِّيَاقِ. فَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: الْأَوَّلُ: تَنْبِيهٌ عَلَى مَوْضِعِ الرَّجَاءِ يَهْدِي الْمُتَفَرِّقِينَ. وَالثَّانِي: تَنْبِيهٌ عَلَى اسْتِغْنَائِهِ عَنِ الْعِبَادِ. وَالثَّالِثُ: مُقَدِّمَةٌ لِلْوَعِيدِ.

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَتَكْرِيرُ قَوْلِهِ: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ تَقْرِيرٌ لِمَا هُوَ مُوجِبٌ تَقْوَاهُ لِيَتَّقُوهُ، فَيُطِيعُوهُ وَلَا يَعْصُوهُ، لِأَنَّ الْخَشْيَةَ وَالتَّقْوَى أَصْلُ الْخَيْرِ كُلِّهِ. وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>