مِنْ أَهْلِ الْعَفَافِ وَالسِّتْرِ، يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نُصْحُهُمَا. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمِقْدَارِ الَّذِي يَنْظُرُ فِيهِ الْحَكَمَانِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى
أَنَّهُمَا يَنْظُرَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَيَحْمِلَانِ عَلَى الظَّالِمِ، وَيَمْضِيَانِ مَا رَأَيَا مِنْ بَقَاءٍ أَوْ فِرَاقٍ، وَبِهِ قَالَ: مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وإسحاق، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ: عَلِيٍّ
، وعثمان، وابن عباس، والشعبي، والنخعي، ومجاهد، وأبي سلمة، وطاووس. قَالَ مَالِكٌ: إِذَا رَأَيَا التَّفْرِيقَ فَرَّقَا، سَوَاءٌ أَوَافَقَ مَذْهَبَ قَاضِي الْبَلَدِ أَوْ خَالَفَهُ، وَكَّلَاهُ أَمْ لَا، وَالْفِرَاقُ فِي ذَلِكَ طَلَاقٌ بَائِنٌ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَنْظُرُ الْحَكَمَانِ إِلَّا فِيمَا وَكَّلَهُمَا بِهِ الزَّوْجَانِ وَصَرَّحَا بِتَقْدِيمِهِمَا عَلَيْهِ، فَالْحَكَمَانِ وَكِيلَانِ: أَحَدُهُمَا لِلزَّوْجِ، وَالْآخَرُ لِلزَّوْجَةِ، وَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ إِلَّا بِرِضَا الزَّوْجَيْنِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعَنِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَانِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ: يَنْظُرُ الْحَكَمَانِ فِي الْإِصْلَاحِ وَفِي الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ، إِلَّا فِي الْفُرْقَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ إِلَيْهِمَا. وَأَمَّا مَا يَقُولُ الْحَكَمَانِ، فَقَالَ جَمَاعَةٌ: يَقُولُ حَكَمُ الزَّوْجِ لَهُ أَخْبِرْنِي مَا فِي خَاطِرِكَ، فَإِنْ قَالَ: لَا حَاجَةَ لِي فِيهَا، خُذْ لِي مَا اسْتَطَعْتَ وَفَرِّقْ بَيْنَنَا، عَلِمَ أَنَّ النُّشُوزَ مِنْ قِبَلِهِ. وَإِنْ قَالَ: أَهْوَاهَا وَرَضِّهَا مِنْ مَالِي بِمَا شِئْتَ وَلَا تُفَرِّقْ بَيْنَنَا، عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنَاشِزٍ وَيَقُولُ الْحَكَمُ مِنْ جِهَتِهَا لَهَا كَذَلِكَ، فَإِذَا ظَهَرَ لَهُمَا أَنَّ النُّشُوزَ مِنْ جِهَتِهِ وَعَظَاهُ، وَزَجَرَاهُ، وَنَهَيَاهُ.
إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما الضَّمِيرُ فِي يُرِيدَا عَائِدٌ عَلَى الْحَكَمَيْنِ قَالَهُ: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُهُمَا. وَفِي بَيْنِهِمَا عَائِدٌ عَلَى الزَّوْجَيْنِ، أَيْ: قَصَدَا إِصْلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَصَحَّتْ نِيَّتُهُمَا، وَنَصَحَا لِوَجْهِ اللَّهِ، وَفَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَأَلَّفَ بَيْنَهُمَا، وَأَلْقَى فِي نُفُوسِهِمَا الْمَوَدَّةَ. وَقِيلَ: الضَّمِيرَانِ مَعًا عَائِدَانِ عَلَى الْحَكَمَيْنِ أَيْ: إِنْ قَصَدَا إِصْلَاحَ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فَيَجْتَمِعَانِ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَتَسَاعَدَانِ فِي طَلَبِ الْوِفَاقِ حَتَّى يَحْصُلَ الْغَرَضُ. وَقِيلَ: الضَّمِيرَانِ عَائِدَانِ عَلَى الزَّوْجَيْنِ أَيْ: إِنْ يُرِدِ الزَّوْجَانِ إِصْلَاحًا بَيْنَهُمَا، وَزَوَالَ شِقَاقٍ، يُزِلِ اللَّهُ ذَلِكَ وَيُؤَلِّفْ بَيْنَهُمَا. وَقِيلَ: يَكُونُ فِي يُرِيدَا عَائِدًا عَلَى الزَّوْجَيْنِ، وَفِي بَيْنِهِمَا عَائِدًا عَلَى الْحَكَمَيْنِ: أَيْ: إِنْ يُرِدِ الزَّوْجَانِ إِصْلَاحًا وَفَّقَ اللَّهُ بَيْنَ الْحَكَمَيْنِ فَاجْتَمَعَا عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَصْلَحَا، وَنَصَحَا.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِرْسَالِ الْحَكَمَيْنِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ يجزي إِرْسَالٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ تَتَعَرَّضِ الْآيَةُ لِعَدَالَةِ الْحَكَمَيْنِ، فَلَوْ كَانَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: حُكْمُهُمَا مَنْقُوضٌ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الصَّحِيحُ نُفُوذُهُ.
وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ: عَلَى أَنَّ الْحَكَمَيْنِ يَجُوزُ تَحْكِيمُهُمَا. وَذَهَبَتِ الْخَوَارِجُ: إِلَى أَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute