للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نُدْرِكُهَا، بَلْ يَجِبُ التَّسْلِيمُ فِيهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. وَجَمِيعُ الْمُقَدَّرَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي كَوْنِهَا لَا تُعْقَلُ عِلَلُهَا هِيَ مِثْلُ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ سَوَاءٌ.

قَالُوا: وَارْتَفَعَ أَيُّهُمْ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَخَبَرُهُ أَقْرَبُ، وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ لتدرون، وتدرون من أفعال القلوب. وأيهم اسْتِفْهَامٌ تَعَلَّقَ عَنِ الْعَمَلِ فِي لَفْظِهِ، لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ فِي غَيْرِ الِاسْتِثْبَاتِ لَا يَعْمَلُ فِيهِ مَا قَبْلَهُ عَلَى مَا قُرِّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ، وَيَجُوزُ فِيهِ عِنْدِي وَجْهٌ آخَرُ لَمْ يَذْكُرُوهُ وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ سِيبَوَيْهِ، وَهُوَ: أَنْ تَكُونَ أَيُّهُمْ مَوْصُولَةً مَبْنِيَّةً عَلَى الضم، وهي مفعول بتدرون، وأقرب خبر مبتدأ محذوف تقديره هُمْ أَقْرَبُ، فَيَكُونُ نَظِيرَ قَوْلِهِ تَعَالَى:

ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ «١» وَقَدِ اجْتَمَعَ شَرْطُ جَوَازِ بِنَائِهَا وَهُوَ أَنَّهَا مُضَافَةٌ لَفْظًا مَحْذُوفٌ صَدْرُ صِلَتِهَا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ انْتَصَبَ فَرِيضَةً انْتِصَابَ الْمَصْدَرِ الْمُؤَكِّدِ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ لِأَنَّ مَعْنَى يُوصِيكُمُ اللَّهُ يَفْرِضُ اللَّهُ لَكُمْ. وَقَالَ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ هِيَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ لَيْسَتْ مَصْدَرًا. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً أَيْ عَلِيمًا بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، حَكِيمًا فِيمَا فَرَضَ، وَقَسَّمَ مِنَ الْمَوَارِيثِ وَغَيْرِهَا. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي كَانَ إِذَا جَاءَتْ فِي نِسْبَةِ الْخَبَرِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا التَّامَّةُ وَانْتَصَبَ عَلِيمًا عَلَى الْحَالِ فقوله: ضعيف، أو أنهار زَائِدَةٌ فَقَوْلُهُ: خَطَأٌ.

وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مِيرَاثَ الْفُرُوعِ مِنَ الْأُصُولِ، وَمِيرَاثَ الْأُصُولِ مِنَ الْفُرُوعِ، أَخَذَ فِي ذِكْرِ مِيرَاثِ الْمُتَّصِلِينَ بِالسَّبَبِ لَا بِالنَّسَبِ وَهُوَ لِلزَّوْجِيَّةِ هُنَا، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ التَّوَارُثُ بِسَبَبِ الْوَلَاءِ. وَالتَّوَارُثُ الْمُسْتَقِرُّ فِي الشَّرْعِ هُوَ بِالنَّسَبِ، وَالسَّبَبِ الشَّامِلِ لِلزَّوْجِيَّةِ وَالْوَلَاءِ. وَكَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ يُتَوَارَثُ بِالْمُوَالَاةِ وَالْخَلَفِ وَالْهِجْرَةِ، فَنُسِخَ ذَلِكَ. وَقُدِّمَ ذِكْرُ مِيرَاثِ سَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ عَلَى ذِكْرِ الْكَلَالَةِ وَإِنْ كَانَ بِالنَّسَبِ، لِتَوَاشُجِ مَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَاتِّصَالِهِمَا، وَاسْتِغْنَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِعِشْرَةِ صَاحِبِهِ دُونَ عِشْرَةِ الكلالة، وبدىء بِخِطَابِ الرِّجَالِ لِمَا لَهُمْ مِنَ الدَّرَجَاتِ عَلَى النِّسَاءِ. وَلِمَا كَانَ الذَّكَرُ مِنَ الْأَوْلَادِ حَظُّهُ مَعَ الْأُنْثَى مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، جُعِلَ فِي سَبَبِ التَّزَوُّجِ الذِّكْرُ لَهُ مِثْلَا حَظِّ الْأُنْثَى. وَمَعْنَى: كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ أَيْ: مِنْكُمْ أَيُّهَا الْوَارِثُونَ، أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ. وَالْوَلَدُ: هُنَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَنْ وَلَدَتْهُ لِبَطْنِهَا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَاحِدًا كَانَ أو أكثر، وحكم بين الذُّكُورِ مِنْهَا وَإِنْ سَفَلُوا حُكْمُ الْوَلَدِ لِلْبَطْنِ، فِي أَنَّ فَرْضَ الزَّوْجِ مِنْهَا الرُّبُعُ مَعَ وُجُودِهِ بِإِجْمَاعٍ.


(١) سورة مريم: ١٩/ ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>