للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَ الذَّنْبِ. وَالْجُمْلَةُ مِنْ قَوْلِهِ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: حَالٌ مِنْ فِعْلِ الْإِصْرَارِ، وَحَرْفُ النَّفْيِ مُنْصَبٌّ عَلَيْهِمَا مَعًا، وَالْمَعْنَى: وَلَيْسُوا مِمَّنْ يُصِرُّ عَلَى الذُّنُوبِ وَهُمْ عَالِمُونَ بِقُبْحِهَا وَبِالنَّهْيِ عَنْهَا وَالْوَعِيدِ عَلَيْهَا، لِأَنَّهُ قَدْ يُعْذَرُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ قُبْحَ الْقَبِيحِ.

وَفِي هَذِهِ الْآيَاتِ بَيَانٌ قَاطِعٌ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى ثَلَاثِ طَبَقَاتٍ: مُتَّقُونَ، وَتَائِبُونَ، وَمُصِرُّونَ. وَأَنَّ الْجَنَّةَ لِلْمُتَّقِينَ وَالتَّائِبِينَ مِنْهُمْ دُونَ الْمُصِرِّينَ، وَمَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ كَابَرَ عَقْلَهُ وَعَانَدَ رَبَّهُ انْتَهَى كَلَامُهُ. وَآخِرُهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ الِاعْتِزَالِيَّةِ مِنْ: أَنَّ مَنْ مَاتَ مُصِرًّا دَخَلَ النَّارِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدًا. وَأَجَازَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي فَاسْتَغْفَرُوا، فَإِنْ أَعْرَبْنَا وَلَمْ يُصِرُّوا جُمْلَةً حَالِيَّةً مِنَ الضَّمِيرِ فِي فَاسْتَغْفَرُوا، جَازَ أَنْ يَكُونَ:

وَهُمْ يَعْلَمُونَ حَالًا مِنْهُ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَ وَلَمْ يُصِرُّوا مَعْطُوفًا عَلَى فَاسْتَغْفَرُوا كَانَ مَا قَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ بَعِيدًا لِلْفَصْلِ بَيْنَ ذِي الْحَالِ وَالْحَالِ بِالْجُمْلَةِ. وَأَمَّا مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ فَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ.

وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْمُؤَاخَذَةَ بِهَا، أَوْ عَفْوَ اللَّهِ عَنْهَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ: وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى مِنَ التَّمَادِي. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَأَبُو عِمَارَةَ: يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَى مَنْ تَابَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ: يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ قَدْ أَذْنَبُوا. وَقِيلَ: يَذْكُرُونَ ذُنُوبَهُمْ فَيَتُوبُونَ مِنْهَا، أَطْلَقَ اسْمَ الْعِلْمَ عَلَى الذِّكْرِ لِأَنَّهُ مِنْ ثَمَرَتِهِ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: يَعْلَمُونَ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: يَعْلَمُونَ أَنَّ لَهُمْ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ. وَقَالَ ابْنُ بَحْرٍ:

يَعْلَمُونَ بِالذَّنْبِ. وَقِيلَ: يَعْلَمُونَ الْعَفْوَ عَنِ الذُّنُوبِ وَإِنْ كَثُرَتْ.

أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أُولَئِكَ إِشَارَةٌ إِلَى الصِّنْفَيْنِ. وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ مُخْتَصًّا بِالصِّنْفِ الثَّانِي، وَيَكُونَ: وَالَّذِينَ إذا فعلوا مبتدأ، وأولئك وما بعده خبره، وجزاؤهم مغفرة مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ فِي مَوْضِعِ خَبَرِ أُولَئِكَ. وَثَمَّ مَحْذُوفٌ أَيْ: جَزَاءُ أَعْمَالِهِمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ لِذُنُوبِهِمْ.

وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِهَذَا الْخَبَرِ الصَّادِقِ قَبُولَ تَوْبَةِ التَّائِبِ، وَلَيْسَ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَالَى مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ شَيْءٌ، بَلْ هُوَ بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا مُعَقِّبَ لِأَمْرِهِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ:

قَالَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ بَعْدَ قَوْلِهِ جَزَاؤُهُمْ، لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا خَالَفَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لِزِيَادَةِ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَزَاءٌ وَاجِبٌ عَلَى عَمَلٍ، وَأَجْرٌ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، لَا كَمَا يَقُولُ الْمُبْطِلُونَ.

وَرُوِيَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا أَقَلَّ حَيَاءً مَنْ يَطْمَعُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>