للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَنْصَارُ: الْأَعْوَانُ جَمْعُ نَصِيرٍ، كَحَبِيبٍ وَأَحْبَابٍ، وَشَرِيفٍ وَأَشْرَافٍ. أَوْ: نَاصِرٍ، كَشَاهِدٍ وَأَشْهَادٍ، وَجَاءَ جَمْعًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَا قَبْلَهُ جَمْعٌ، كَمَا جَاءَ: وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ «١» وَالْمُفْرَدُ يُنَاسِبُ الْمُفْرَدَ نَحْوُ: مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ «٢» لَا يُقَالُ: انْتِفَاءُ الْجَمْعِ لَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمُفْرَدِ، لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ نَفْيِ النَّفْعِ وَالْإِغْنَاءِ، وَحُصُولِ الِاسْتِعَانَةِ، فَإِذَا لَمْ يَجِدِ الْجَمْعُ وَلَمْ يُغْنِ، فَأَحْرَى أَنْ لَا يُجْدِيَ وَلَا يُغْنِيَ الْوَاحِدُ.

وَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى فَضْلَ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِهِ وَحَثَّ عَلَيْهِ، وَحَذَّرَنَا مِنَ الْجُنُوحِ إِلَى نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ، وَذَكَّرَنَا بِوَعْدِ اللَّهِ الْجَامِعِ لِسَعَادَةِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالْفَضْلِ، وَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ وَالْفَرْقَ بَيْنَ الْوَعْدَيْنِ لَا يُدْرِكُهُ إِلَّا مَنْ تَخَصَّصَ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي يُؤْتِيهَا اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، رَجَعَ إِلَى ذِكْرِ النَّفَقَةِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا، وَأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عِنْدَ مَنْ لَا يَنْسَى وَلَا يَسْهُو، وَصَارَ ذِكْرُ الْحِكْمَةِ مَعَ كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِمَا تَقَدَّمَ كَالِاسْتِطْرَادِ، وَالتَّنْوِيهِ بِذِكْرِهَا، وَالْحَثِّ عَلَى مَعْرِفَتِهَا.

إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ أَيْ: إِنْ تُظْهِرُوا إِعْطَاءَ الصَّدَقَاتِ.

قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمَّا نَزَلَتْ:

وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ الْآيَةَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَصَدَقَةُ السِّرِّ أَفْضَلُ أَمْ صَدَقَةُ الْعَلَانِيَةِ؟

فَنَزَلَتْ: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ

وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ: نَزَلَتْ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَكَانَ يَأْمُرُ بِقِسْمِ الزَّكَاةِ فِي السر، والصدقات ظَاهِرُ الْعُمُومِ، فَيَشْمَلُ الْمَفْرُوضَةَ وَالْمُتَطَوَّعَ بِهَا.

وَقِيلَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ، فَتُصْرَفُ إِلَى الْمَفْرُوضَةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ نَسَخَتْ كُلَّ الصَّدَقَاتِ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ هُنَا صَدَقَاتُ التَّطَوُّعِ دُونَ الْفَرْضِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ.

وَقَدِ اخْتَلَفُوا: هَلِ الْأَفْضَلُ إِظْهَارُ الْمَفْرُوضَةِ أَمْ إِخْفَاؤُهَا؟ فَذَهَبَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَآخَرُونَ إِلَى أَنَّ إِظْهَارَهَا أَفْضَلُ مِنْ إِخْفَائِهَا. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى، وَقَالَ أَيْضًا ابْنُ عَبَّاسٍ: إِخْفَاءُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَفْضَلُ مِنْ إِظْهَارِهَا، وَرُوِيَ عَنْهُ:

صَدَقَاتُ السِّرِّ فِي التَّطَوُّعِ تَفَضُلُ عَلَانِيَتَهَا بِسَبْعِينَ ضِعْفًا، وَصَدَقَةُ الْفَرِيضَةِ عَلَانِيَتُهَا أَفْضَلُ مِنْ سِرِّهَا بِخَمْسَةٍ وعشرين ضعفا.


(١) سورة آل عمران: ٣/ ٢٢ و ٥٦ و ٩١ والنحل: ١٦/ ٣٧، والروم: ٣٠/ ٢٩.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>