وَقِيلَ: لَهَا النَّفَقَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ
، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَشُرَيْحٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَخِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً أَنَّهُ إِذَا تَرَبَّصَتْ هَذِهِ الْمُدَّةَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ فَلَمْ تَحِضْ فِيهَا، وَقِيلَ: لَا تَبْرَأُ إِلَّا بِحَيْضَةٍ تَأْتِي بِهَا فِي الْمُدَّةِ، وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَرِيبَةٌ، فَتَمْكُثُ حَتَّى تَزُولَ رِيبَتُهَا.
وَأَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ ناسخة لِمَا بَعْدَهَا مِنَ الِاعْتِدَادِ بِالْحَوْلِ، وَهَذَا مِنْ غَرَائِبِ النَّسْخِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ الثَّانِيَ يَنْسَخُ الْأَوَّلَ، وَقِيلَ: إِنَّ الْحَوْلَ لَمْ يُنْسَخْ، وَإِنَّمَا هُوَ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، بَلْ هُوَ عَلَى النَّدْبِ، فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، أَقَلُّ مَا تَعْتَدُّ بِهِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَالْحَوْلُ هُوَ الْأَكْمَلُ وَالْأَفْضَلُ.
وَقَالَ قَوْمٌ: لَيْسَ فِي هَذَا نَسْخٌ، وَإِنَّمَا هُوَ نُقْصَانٌ مِنَ الْحَوْلِ: كَصَلَاةِ الْمُسَافِرِ لَمَّا نَقَصَتْ مِنَ الْأَرْبَعِ إلى الاثنتين لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَسْخًا، بَلْ كَانَ تَخْفِيفًا.
قَالُوا: وَاخْتُصَّ هَذَا الْعَدَدُ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا اسْتِبْرَاءً لِلْحَمْلِ
فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَكُونُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ نُطْفَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ عَلَقَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ مُضْغَةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَزَادَ اللَّهُ الْعَشْرَ لِأَنَّهَا مَظِنَّةٌ لِظُهُورِ حَرَكَةِ الْجَنِينِ، أَوْ مُرَاعَاةً لِنَقْصِ الشُّهُورِ وَكَمَالِهَا، أَوِ اسْتِظْهَارًا لِسُرْعَةِ ظُهُورِ الْحَرَكَةِ أَوْ بطئها فِي الْجَنِينِ» .
قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا زِيدَتِ الْعَشْرُ لِأَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ يَكُونُ فِيهَا، وَظُهُورَ الْحَمَلِ فِي الْغَالِبِ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: ولد كل حامل يَرْكُضُ فِي نِصْفِ حَمْلِهِ، وَقَالَ الرَّاغِبُ: ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ الْوَلَدَ فِي الْأَكْثَرِ، إِذَا كَانَ ذَكَرًا يَتَحَرَّكُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَإِذَا كَانَ أُنْثَى بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ عَشْرًا اسْتِظْهَارًا.
قَالَ: وَخُصَّتِ الْعَشْرَةُ بِالزِّيَادَةِ لِكَوْنِهَا أَكْمَلَ الْأَعْدَادِ وَأَشْرَفَهَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ «١» .
قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: لَمَّا كَانَ حَقُّ الْمَيِّتِ أَعْظَمَ، لِأَنَّ فِرَاقَهُ لَمْ يَكُنْ بِالِاخْتِيَارِ، كَانَتْ مُدَّةُ وَفَاتِهِ أَطْوَلَ، وَفِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ كَانَتْ عِدَّةُ الْوَفَاةِ سَنَةً، ثُمَّ رُدَّتْ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وعشرة أيام
(١) سورة البقرة: ٢/ ١٩٦.