للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِذِ اللَّيَالِي أَسْبَقُ مِنَ الْأَيَّامِ، وَالْأَيَّامَ فِي ضِمْنِهَا، وَعَشْرٌ أَخَفُّ فِي اللَّفْظِ، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا إِلَّا بِانْقِضَاءِ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْأَحَمُّ: لَيْسَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْعِدَّةِ، بَلْ تَنْقَضِي بِتَمَامِ عَشْرِ لَيَالٍ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ: مَعْنَاهُ وَعَشْرَ مُدَدٍ كُلُّ مُدَّةٍ مِنْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، تَقُولُ الْعَرَبُ: سِرْنَا خَمْسًا، أَيْ: بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَالَ الشَّاعِرُ:

فَطَافَتْ ثَلَاثًا بَيْنَ يوم وليلة ... وكان النكيرات تُضِيفَ وَتَجْأَرَا

وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وقيل عشرا ذهابا إِلَى اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ دَاخِلَةٌ مَعَهَا، وَلَا تَرَاهُمْ قَطُّ يَسْتَعْمِلُونَ التَّذْكِيرَ فِيهِ ذَاهِبِينَ إِلَى الْأَيَّامِ، تَقُولُ: صُمْتُ عَشْرًا، وَلَوْ ذُكِرَتْ خَرَجَتْ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَمِنَ الْبَيِّنِ فِيهِ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً «١» إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً «٢» انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ عَشْرٌ بِأَنَّهَا لَيَالٍ لِأَجْلِ حَذْفِ التَّاءِ، وَلَا إِلَى تَأْوِيلِهَا بِمُدَدٍ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُبَرِّدُ، بَلِ الَّذِي نَقَلَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ: إِذَا كَانَ الْمَعْدُودُ مُذَكَّرًا وَحَذَفْتَهُ، فَلَكَ فِيهِ وَجْهَانِ.

أَحَدُهُمَا، وَهُوَ الْأَصْلُ: أَنْ يَبْقَى الْعَدَدُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ لَوْ لَمْ يُحْذَفِ الْمَعْدُودُ، فَتَقُولُ: صُمْتُ خَمْسَةً. تُرِيدُ: خَمْسَةَ أَيَّامٍ، قَالُوا: وَهُوَ الْفَصِيحُ، قَالُوا: وَيَجُوزُ أَنْ تُحْذَفَ مِنْهُ كُلِّهِ تَاءُ التَّأْنِيثِ، وَحَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ أَبِي الْجَرَّاحِ: صُمْنَا مِنَ الشَّهْرِ خَمْسًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي يُصَامُ مِنَ الشَّهْرِ إِنَّمَا هِيَ الْأَيَّامُ، وَالْيَوْمُ مُذَكَّرٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ:

وَإِلَّا فَسِيرِي مِثْلَ مَا سَارَ رَاكِبٌ ... يُتَمِّمُ خَمْسًا لَيْسَ فِي سَيْرِهِ أَمَمْ

يُرِيدُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ، وَعَلَى ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَجَاءَ قَوْلُهُ: عَشْرًا عَلَى أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ، وَحُسْنُهُ هُنَا أَنَّهُ مَقْطَعُ كَلَامٍ، فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْفَوَاصِلِ، كَمَا حَسَّنَ قَوْلَهُ: إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً «٣» كَوْنُهُ فَاصِلَةً، فَلِذَلِكَ اخْتِيرَ مَجِيءُ هَذَا عَلَى أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ، فَقَوْلُهُ: وَلَوْ ذُكِرَتْ لَخَرَجَتْ عَنْ كَلَامِهِمْ، لَيْسَ كَمَا ذَكَرَ، بَلْ لَوْ ذُكِرَ لَكَانَ أَتَى عَلَى الْكَثِيرِ الَّذِي نَصُّوا عَلَيْهِ أَنَّهُ الْفَصِيحُ، إِذْ حَالُهُ عِنْدَهُمْ مَحْذُوفًا كَحَالِهِ مُثْبَتًا فِي الْفَصِيحِ، وَجَوَّزُوا الَّذِي ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَكْثَرُ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: وَلَا تَرَاهُمْ قَطُّ يَسْتَعْمِلُونَ التَّذْكِيرَ فِيهِ، كَمَا ذُكِرَ، بَلِ اسْتِعْمَالُ التَّذْكِيرِ هُوَ الْكَثِيرُ الْفَصِيحُ فِيهِ. كَمَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُهُ: وَمِنَ


(١- ٣) سورة طه: ٢٠/ ١٠٣.
(٢) سورة طه: ٢٠/ ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>