أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِحُضُورِ مَنْ لَهُ الْحُكْمُ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ وَلِيٍّ، وَخَوْفُهُ تَرْكَ إِقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ، وَمَا قَالُوهُ مِنَ اقْتِضَاءِ الْمَفْهُومِ وُجُودَ الْخَوْفِ صَحِيحٌ، أَمَّا الْحُضُورُ فَلَا.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ إِذَا كَانَ خِطَابًا لِلْأَزْوَاجِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ، وَخَصَّ الْحَسَنُ الْخُلْعَ بِحُضُورِ السُّلْطَانِ، وَالضَّمِيرُ فِي: عَلَيْهِمَا، عَائِدٌ عَلَى الزَّوْجَيْنِ مَعًا، أَيْ:
لَا جُنَاحَ عَلَى الزَّوْجِ فِيمَا أخذ، وَلَا عَلَى الزَّوْجَةِ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ.
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: عَلَيْهِمَا، أَيْ: عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: يَخْرُجُ مِنْهُمَا «١» أَيِ: الْمَالِحُ ونَسِيا حُوتَهُما «٢» وَالنَّاسِي يُوشَعُ. قَالَ الشَّاعِرُ:
فَإِنْ تَزْجُرَانِي يَا ابْنَ عَفَّانَ أَنْزَجِرْ ... وَإِنْ تَدَعَانِي أَحْمِ عِرْضًا مُمَنَّعَا
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ الْعُمُومُ بِصَدَاقِهَا، وَبِأَكْثَرَ منه، وبكل مالها قاله عمر، وابنه وَعُثْمَانُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَقَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَقَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ
وَقِيلَ: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ مِنَ الصَّدَاقِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ مِنْهُ، قَالَهُ عَلِيٌّ
، وطاووس، وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، وَعَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الرَّبِيعِ، وَكَانَ يَقْرَأُ، هُوَ وَالْحَسَنُ: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ مِنْهُ، بِزِيَادَةِ: مِنْهُ، يَعْنِي مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ، وَهُوَ الْمَهْرُ وَحَكَى مَكِّيٌّ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ: بِبَعْضِ صَدَاقِهَا، وَلَا يَجُوزُ بِجَمِيعِهِ إِذَا دَخَلَ بِهَا حَتَّى يَبْقَى مِنْهُ بَقِيَّةٌ لِيَكُونَ بَدَلًا عَنِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا.
وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ تَشْرِيكُهُمَا فِي تَرْكِ إِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَأَنَّ جَوَازَ الْأَخْذِ مَنُوطٌ بِوُجُودِ ذَلِكَ مِنْهُمَا مَعًا. وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْخُذَ إِلَّا بَعْدَ الْخَوْفِ أَنْ لَا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ، وَأَكَّدَ التَّحْرِيمَ بِقَوْلِهِ: فَلا تَعْتَدُوها ثُمَّ تَوَعَّدَ عَلَى الِاعْتِدَاءِ، وَأَجْمَعَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ أَخْذِ مَالِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ النُّشُوزُ وَفَسَادُ الْعِشْرَةِ مِنْ قِبَلِهَا، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رُوِّينَا مَعْنَى ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْقَاسِمِ، وَعُرْوَةَ، وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَتَادَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَمَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَغَيْرُهُمَا: إِنْ كَانَ مَعَ فَسَادِ الزَّوْجَةِ وَنُشُوزِهَا فَسَادٌ مِنَ الزَّوْجِ،
(١) سورة الرحمن: ٥٥/ ٢٢.
(٢) سورة الكهف: ١٨/ ٦١.