[من السودان المستمع إدريس يقول: يوجد في قريتنا مسجد، ولكن إمام المسجد يستعمل التراب من القبور، ويكتب التمائم والحروز، ويدعي بأنها تعالج المرضى وتفك من السحر والعين. هل تصح الصلاة خلف هذا الإمام المذكور؟ نرجو إفادة مأجورين؟]
فأجاب رحمه الله تعالى: إنه لا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن ذلك في خطب الجمع. وأخذ التراب من القبور للاستشفاء به بدعة، وهو ضلال في دين الله وسفهٌ في العقل، فإن هذا التراب لم يحدث له أي شيء يجعله سبباً في شفاء المرضى من أجل دفن الميت في القبر، بل هذه التربة كسائر تراب الأرض، وليس لها مزيةٌ على غيرها، ومن تبرك بها أو استشفى بها فقد ابتدع وضل وسفه في عقله، وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا العمل، وأن يعلم أن الشفاء من الله عز وجل، وأنه لا شفاء بأي سببٍ من الأسباب إلا ما جعله الله سبباً، ولم يجعل الله تعالى أخذ التراب من القبور سبباً في شفاء المرضى. وأما القراءة على المرضى بآياتٍ من القرآن، أو بما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن هذا سببٌ شرعي يحصل به الشفاء بإذن الله، وقد صح أن سريةً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام نزلوا على قومٍ فاستضافوهم، فأبى القوم أن يضيفوهم، فقدر الله تعالى على سيدهم- أي: سيد القوم- أن لدغته حية، فأتوا إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: هل عندكم من راقٍ؟ قالوا: نعم. قالوا إنه لدغ سيدهم، فيريدون أن يرقى عليه. فقالوا لا نرقي عليه إلا بكذا وكذا من الغنم. فأعطوهم إياها، فذهب أحد القوم من السرية إلى اللديغ، فجعل يقرأ عليه بفاتحة الكتاب، فقام هذا الملدوغ كأنما نشط من عقال، وبرأ بإذن الله بقراءة الرجل عليه سورة الفاتحة. وتأثير قراءة القرآن في المرضى أمرٌ لا ينكر، قال الله تعالى:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً) . والشفاء هنا شامل الشفاء من أمراض القلوب وأمراض الأجسام، وهذا الإمام الذي ذكرت أنه يتبرك بتراب القبور ويستشفي بها يجب عليكم أن تنصحوه، وتبينوا له أن ذلك بدعةٌ وضلالٌ في دين الله وسفهٌ في العقول، وأن عليه أن يتوب إلى الله عز وجل من هذا العمل الذي كان يقوم به. وأما قراءته على المرضى بآياتٍ من القرآن وبما جاءت به السنة فإن هذا لا بأس به، بل هو أمرٌ مطلوب. وأما الصلاة خلفه: فالقول الراجح من أقوال أهل العلم أن الإنسان إذا لم يصل بعمله وبدعته إلى الكفر المخرج من الإسلام فإنه يصلى خلفه، وتصح الصلاة خلفه، إلا إذا كان في الصلاة خلفه فتنة، بحيث يفتتن به الناس ويتابعونه على بدعته، فحينئذٍ يحسن أن لا يصلى خلفه؛ لئلا يفتتن به الناس ويظنوا أنه على حق، حيث كان الناس يصلون وراءه، لا سيما إذا كان الذي يصلى وراءه ممن يشار إليهم بالفقه والعلم.