زِيَادَةٌ مَقْبُولَةٌ مِنَ الْعَدْلِ، وَبِهِ تُعْلَمُ صِحَّةُ الِاحْتِجَاجِ بِالرِّوَايَةِ الْمَرْفُوعَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي طَهَارَةِ الْمَنِيِّ، وَهِيَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي نُصُوصِ الشَّرْعِ شَيْءٌ يُصَرِّحُ بِنَجَاسَةِ الْمَنِيِّ.
فَإِنْ قِيلَ: أَخْرَجَ الْبَزَّارُ، وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مَسْنَدَيْهِمَا، وَابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ، وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِعَمَّارٍ فَذَكَرَ قِصَّةً، وَفِيهَا: «إِنَّمَا تَغْسِلُ ثَوْبَكَ مِنَ الْغَائِطِ، وَالْبَوْلِ، وَالْمَنِيِّ، وَالدَّمِ، وَالْقَيْءِ، يَا عَمَّارُ، مَا نُخَامَتُكَ وَدُمُوعُ عَيْنَيْكَ وَالْمَاءُ الَّذِي فِي رَكْوَتِكَ إِلَّا سَوَاءً» .
فَالْجَوَابُ: أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ ثَابِتَ بْنَ حَمَّادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وَضَعَّفَهُ الْجَمَاعَةُ الْمَذْكُورُونَ كُلُّهُمْ إِلَّا أَبَا يَعْلَى بِثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ، وَاتَّهَمَهُ بَعْضُهُمْ بِالْوَضْعِ. وَقَالَ اللَّالَكَائِيُّ: أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ حَدِيثِهِ. وَقَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ لِثَابِتٍ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ. وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: تَفَرَّدَ بِهِ ثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ، وَلَا يُرْوَى عَنْ عَمَّارٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ، إِنَّمَا رَوَاهُ ثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ ; قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي (التَّلْخِيصِ) ، ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زَكَرِيَّا الْعِجْلِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، لَكِنَّ إِبْرَاهِيمَ ضَعِيفٌ، وَقَدْ غُلِطَ فِيهِ، إِنَّمَا يَرْوِيهِ ثَابِتُ بْنُ حَمَّادٍ. انْتَهَى.
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَنِيِّ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالْأَلْبَانِ مِنَ الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ. فَأَمَّا لَبَنُ الْمَيْتَةِ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ ; لِأَنَّهُ مَائِعٌ طَاهِرٌ حَصَلَ فِي وِعَاءٍ نَجِسٍ. وَذَلِكَ أَنَّ ضَرْعَ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ، وَاللَّبَنُ طَاهِرٌ ; فَإِذَا حُلِبَ صَارَ مَأْخُوذًا مِنْ وِعَاءٍ نَجِسٍ. فَأَمَّا لَبْنُ الْمَرْأَةِ الْمَيْتَةِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ. فَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِنْسَانَ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيْتًا فَهُوَ طَاهِرٌ. وَمَنْ قَالَ: يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ فَهُوَ نَجِسٌ. وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ ; لِأَنَّ الصَّبِيَّ قَدْ يَتَغَذَّى بِهِ كَمَا يَتَغَذَّى مِنَ الْحَيَّةِ. وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الرَّضَاعُ مَا أَنْبَتَ اللَّحْمَ وَأَنْشَزَ الْعَظْمَ» ، وَلَمْ يَخُصَّ. انْتَهَى كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا الْآيَةَ [١٦ \ ٩٧] ، جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّكَرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: الْخَمْرُ ; لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute