وَحَاصِلُ تَحْرِيرِ الْمَقَامِ فِي مَسْأَلَةِ «شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا» ، أَنَّ لَهَا وَاسِطَةٌ وَطَرَفَيْنِ، طَرَفٌ يَكُونُ فِيهِ شَرْعًا لَنَا إِجْمَاعًا، وَهُوَ مَا ثَبَتَ بِشَرْعِنَا أَنَّهُ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا، ثُمَّ بُيِّنَ لَنَا فِي شَرْعِنَا أَنَّهُ شَرْعٌ لَنَا، كَالْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِشَرْعِنَا أَنَّهُ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ الْآيَةَ، وَبُيِّنَ لَنَا فِي شَرْعِنَا أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَنَا فِي قَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى، وَطَرَفٌ يَكُونُ فِيهِ غَيْرَ شَرْعٍ لَنَا إِجْمَاعًا وَهُوَ أَمْرَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا لَمْ يَثْبُتْ بِشَرْعِنَا أَصْلًا أَنَّهُ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا، كَالْمُتَلَقَّى مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَانَا عَنْ تَصْدِيقِهِمْ، وَتَكْذِيبِهِمْ فِيهَا، وَمَا نَهَانَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَصْدِيقِهِ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا لَنَا إِجْمَاعًا.
وَالثَّانِي: مَا ثَبَتَ فِي شَرْعِنَا أَنَّهُ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا، وَبُيِّنَ لَنَا فِي شَرْعِنَا أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ لَنَا، كَالْآصَارِ، وَالْأَغْلَالِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا ; لِأَنَّ اللَّهَ وَضَعَهَا عَنَّا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [٧ \ ١٥٧] ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَرَأَ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا [٢ \ ٢٨٦] ، أَنَّ اللَّهَ قَالَ: نَعَمْ قَدْ فَعَلْتُ» .
وَمِنْ تِلْكَ الْآصَارِ الَّتِي وَضَعَهَا اللَّهُ عَنَّا، عَلَى لِسَانِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَقَعَ لِعَبَدَةِ الْعِجْلِ، حَيْثُ لَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُمْ إِلَّا بِتَقْدِيمِ أَنْفُسِهِمْ لِلْقَتْلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [٢ \ ٥٤] .
وَالْوَاسِطَةُ هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَهِيَ مَا ثَبَتَ بِشَرْعِنَا أَنَّهُ كَانَ شَرْعًا لِمَنْ قَبْلَنَا، وَلَمْ يُبَيَّنْ لَنَا فِي شَرْعِنَا أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَنَا، وَلَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ لَنَا، وَهُوَ الَّذِي قَدَّمْنَا أَنَّ التَّحْقِيقَ كَوْنُهُ شَرْعًا لَنَا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَقَدْ رَأَيْتَ أَدِلَّتَهُمْ عَلَيْهِ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ آيَةَ: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ الْآيَةَ، يَلْزَمُنَا الْأَخْذُ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ.
مَعَ أَنَّ الْقُرْآنَ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ فِي قَوْلِهِ: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى، وَقَوْلِهِ: وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [١٧ \ ٣٣] ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الْمُتَقَدِّمِ، التَّصْرِيحُ بِأَنَّ مَا فِيهَا مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ مَشْرُوعٌ لَنَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute