وَالتَّعْلِيقُ بِهَذِهِ الْمَشِيئَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ لِأَجْلِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الصَّحِيحُ لَا يُخَالِفُ مَذْهَبًا مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ فِي مُرَادِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا يُنْقَلُ عَنْهُ مِنْ جَوَازِ تَأْخِيرِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا أَوْضَحَهُ كَبِيرُ الْمُفَسِّرِينَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى آيَةِ الْكَهْفِ هَذِهِ. فَيَا أَتْبَاعَ الصَّاوِيِّ الْمُقَلِّدِينَ لَهُ تَقْلِيدًا أَعْمَى عَلَى جَهَالَةٍ عَمْيَاءَ، أَيْنَ دَلَّ ظَاهِرُ آيَةِ الْكَهْفِ هَذِهِ عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ، أَوْ بِالطَّلَاقِ، أَوْ بِالْعِتْقِ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَيْمَانِ؟
هَلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَفَ لَمَّا قَالَ لِلْكُفَّارِ: سَأُخْبِرُكُمْ غَدًا؟
وَهَلْ قَالَ اللَّهُ: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي حَالِفٌ سَأَفْعَلُ ذَلِكَ غَدًا؟
وَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ بِالْيَمِينِ، حَتَّى قُلْتُمْ: إِنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ هُوَ حَلُّ الْأَيْمَانِ بِالْمَشِيئَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهَا، وَبَنَيْتُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ مُخَالِفٌ لِمَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ الْعَمَلَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَنْ أَصُولُ الْكُفْرِ؟
وَمِمَّا يَزِيدُ مَا ذَكَرْنَا إِيضَاحًا مَا قَالَهُ الصَّاوِيُّ أَيْضًا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ [٣ \ ٧] ، فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى كَلَامِ الْجَلَالِ مَا نَصُّهُ: زَيْغٌ أَيْ مَيْلٌ عَنِ الْحَقِّ لِلْبَاطِلِ، قَوْلُهُ: بِوُقُوعِهِمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَاللَّبْسِ، أَيْ كَنَصَارَى نَجْرَانَ، وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ مِمَّنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا أَنَّ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اهـ.
فَانْظُرْ - رَحِمَكَ اللَّهُ - مَا أَشْنَعَ هَذَا الْكَلَامَ، وَمَا أَبْطَلَهُ، وَمَا أَجْرَأَ قَائِلَهُ عَلَى انْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَنَبِيِّهِ وَسُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا أَدَلَّهُ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَدْرِي مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ. فَإِنَّهُ جَعَلَ مَا قَالَهُ نَصَارَى نَجْرَانَ هُوَ ظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ، وَلِذَا جَعَلَ مِثْلَهُمْ مَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ، فَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ.
وَذَكَرَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا: إِنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَدْرِي وَجْهَ ادِّعَاءِ نَصَارَى نَجْرَانَ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ كَفَرَ، مَعَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ أَنَّ ادِّعَاءَهُمْ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ كَفَّرَهُمْ وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمُ ادِّعَاءٌ صَحِيحٌ، إِلَّا أَنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute