للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَارِنًا، كَمَا وَقَعَ لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى التَّحْقِيقِ كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ.

الشَّرْطُ الثَّامِنُ: هُوَ مَا اشْتَرَطَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ كَوْنِهِ لَا يُعَدُّ مُتَمَتِّعًا، حَتَّى يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ، فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ صَارَ غَيْرَ مُتَمَتِّعٍ ; لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدُ الْحَرَامِ، وَلَا يَخْفَى سُقُوطُ هَذَا الشَّرْطِ.

قَالَ صَاحِبُ «الْإِنْصَافِ» : لَمَّا ذُكِرَ هَذَا الشَّرْطُ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ وَالْحُلْوَانِيُّ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ: وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ: إِنْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَسَافَةُ قَصْرٍ، فَأَحْرَمَ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمُ الْمُتْعَةِ ; لِأَنَّهُ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، بَلْ دَمُ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ. وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُمَا، أَنَّهُ إِذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ: يَلْزَمُهُ دَمَانِ، دَمُ الْمُتْعَةِ وَدَمُ الْإِحْرَامِ مِنْ دُونِ الْمِيقَاتِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُقِمْ وَلَمْ يَنْوِهَا بِهِ، وَلَيْسَ بِسَاكِنٍ، وَرَدُّوا مَا قَالَهُ الْقَاضِي. انْتَهَى مِنْهُ، وَهَذَا الْأَخِيرُ هُوَ الظَّاهِرُ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَقَالَ صَاحِبُ الْإِنْصَافِ بَعْدَ كَلَامِهِ هَذَا مُتَّصِلًا بِهِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَلَوْ أَحْرَمَ الْآفَاقِيُّ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَاعْتَمَرَ مِنَ التَّنْعِيمِ، فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ نُصَّ عَلَيْهِ، وَفِي نَصِّهِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى إِيجَابِ الدَّمِ فِي الصُّورَةِ الْأَوْلَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى. انْتَهَى مِنْهُ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَلِفَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِدُخُولِهِمَا صَرِيحًا فِي عُمُومِ آيَةِ التَّمَتُّعِ، كَمَا تَرَى. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْقَارِنَ يَلْزَمُهُ مَا يَلْزَمُ الْمُتَمَتِّعِ مِنَ الْهَدْيِ، وَالصَّوْمِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْهَدْيِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ الثَّابِتَةَ عَنْ بَعْضِ أَجِلَّاءِ الصَّحَابَةِ، بِأَنَّ الْقِرَانَ دَاخِلٌ فِي اسْمِ التَّمَتُّعِ، وَعَلَى هَذَا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْآيَةِ، وَكِلَا النُّسُكَيْنِ فِيهِ تَمَتُّعٌ لُغَةً ; لِأَنَّ التَّمَتُّعَ مِنَ الْمَتَاعِ أَوِ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ الِانْتِفَاعُ أَوِ النَّفْعُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ:

وَقَفْتُ عَلَى قَبْرٍ غَرِيبٍ بِقَفْرَةٍ ... مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ حَبِيبٍ مُفَارِقِ

جَعَلَ اسْتِئْنَاسَهُ بِقَبْرِهِ مَتَاعًا لِانْتِفَاعِهِ بِذَلِكَ الِاسْتِئْنَاسِ، وَكُلٌّ مِنَ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ، انْتَفَعَ بِإِسْقَاطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ وَانْتَفَعَ الْقَارِنُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِانْدِرَاجِ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ.

وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ الْقِرَانَ لَمْ يَدْخُلْ فِي عُمُومِ الْآيَةِ بِحَسْبِ مَدْلُولِ لَفْظِهَا، وَهُوَ الْأَظْهَرُ ; لِأَنَّ الْغَايَةَ فِي قَوْلِهِ: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ تَدُلُّ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>