الِاخْتِلَافِ فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَلَوِ ارْتَدَى بِالْقَمِيصِ أَوِ اتَّشَحَ بِهِ، أَوِ اتَّزَرَ بِالسَّرَاوِيلِ، فَلَا بَأْسَ، وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، كَمَا قَدَّمْنَا عَنْ غَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَدْخَلَ مَنْكِبَيْهِ فِي الْقَبَاءِ، وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي الْكُمَّيْنِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ ذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: تَغْطِيَةُ رُبْعِ الرَّأْسِ كَتَغْطِيَةِ جَمِيعِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْأَكْثَرُ وَدَوَامُ لُبْسِ الْمَخِيطِ عِنْدَهُمْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ كَابْتِدَائِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ أَيْضًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ فِي «شَرْحِ الْمُهَذَّبِ» : وَلَهُ - يَعْنِي الْمُحْرِمَ - أَنْ يَتَقَلَّدَ الْمُصْحَفَ وَحَمَائِلَ السَّيْفِ وَأَنَّ يَشُدَّ الْهِمْيَانَ وَالْمِنْطَقَةَ فِي وَسَطِهِ، وَيَلْبَسَ الْخَاتَمَ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ هَذَا كُلِّهِ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ مَذْهَبُنَا، وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إِلَّا ابْنَ عُمَرَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، فَكَرِهَهُمَا وَبِهِ قَالَ نَافِعٌ مَوْلَاهُ.
وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا نَاقَشْنَاهُ فِي كَلَامِهِ وَبَيَّنَّا: أَنَّ مَالِكًا وَأَصْحَابَهُ لَا يُجِيزُونَ شَدَّ الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ، إِلَّا تَحْتَ الْإِزَارِ مُبَاشِرًا جِلْدَهُ لِخُصُوصِ النَّفَقَةِ، وَأَنَّ شَدَّ الْهِمْيَانِ فَوْقَ الْإِزَارِ فِيهِ عِنْدَهُمُ الْفِدْيَةُ مُطْلَقًا، وَكَذَلِكَ تَحْتَ الْإِزَارِ لِغَيْرِ حِفْظِ النَّفَقَةِ، وَأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ تَلْزَمُ عِنْدَهُ الْفِدْيَةُ فِي شَدِّ الْمِنْطَقَةِ لِغَيْرِ حِفْظِ النَّفَقَةِ: أَيْ وَلَوْ كَانَ لِوَجَعٍ بِظَهْرِهِ، وَسَنُتَمِّمُ الْكَلَامَ هُنَا. أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ لُبْسَ الْخَاتَمِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِلْمُحْرِمِ، فَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا ; لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ بِمَنْعِ لُبْسِ الْمُحْرِمِ الْخَاتَمَ وَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ لُبْسِهِ وَمَنْعِهِ مَعْرُوفٌ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ.
قَالَ الشَّيْخُ الْحَطَّابُ فِي كَلَامِهِ عَلَى قَوْلِ خَلِيلٍ فِي مُخْتَصَرِهِ: مُشَبَّهًا عَلَى مَا لَا يَجُوزُ لُبْسُهُ لِلْمُحْرِمِ كَخَاتَمٍ، مَا نَصُّهُ: قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَفِي الْخَاتَمِ قَوْلَانِ، فَحَمَلَهُمَا فِي التَّوْضِيحِ عَلَى الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ رُشْدٍ: الْمَعْرُوفُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ مَنْعُهُ ; لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْإِحَاطَةِ بِالْإِصْبَعِ الْمُحِيطِ، وَفِي مُخْتَصَرِ مَا لَيْسَ فِي الْمُخْتَصَرِ: لَا بَأْسَ بِهِ. إِلَى أَنْ قَالَ: فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ يَقُولُ: بِالْفِدْيَةِ، وَالْقَائِلَ بِالْجَوَازِ يَقُولُ بِسُقُوطِ الْفِدْيَةِ. انْتَهَى مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ: تَنْبِيهٌ: وَهَذَا فِي حَقِّ الرَّجُلِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْخَاتَمِ، اهـ.
وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ النَّوَوِيِّ: وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ هَذَا كُلِّهِ - فِيهِ نَظَرٌ، وَأَمَّا تَقَلُّدُ حَمَائِلِ السَّيْفِ فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ لِعُذْرٍ يُلْجِئُهُ إِلَى ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ لَهُ، وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ، فَإِنْ تَقَلَّدَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: يَنْزِعُهُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ انْتَهَى بِوَاسِطَةِ نَقْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute