وَاعْلَمْ أَنَّ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ النُّسُكَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ: بَقَرَةٌ، يُجَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَسَنَذْكُرُ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بَعْضَ الرِّوَايَاتِ الْوَارِدَةِ بِذَلِكَ، وَالْجَوَابَ عَنْهَا.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَخْبَرَهُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، وَكَانَ قَدْ أَصَابَهُ فِي رَأْسِهِ أَذًى، فَحَلَقَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَهْدِيَ هَدْيًا بَقَرَةً. انْتَهَى مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي «الْفَتْحِ» بَعْدَ أَنْ أَشَارَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: هَذَا وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: حَلَقَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رَأْسَهُ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَفْتَدِيَ فَافْتَدَى بِبَقَرَةٍ.
وَلِعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: افْتَدَى كَعْبٌ مِنْ أَذًى كَانَ فِي رَأْسِهِ، فَحَلَقَهُ - بِبَقَرَةٍ قَلَّدَهَا وَأَشْعَرَهَا.
وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قِيلَ لِابْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: مَا صَنَعَ أَبُوكَ حِينَ أَصَابَهُ الْأَذَى فِي رَأْسِهِ؟ قَالَ: ذَبْحَ بَقَرَةً. انْتَهَى مِنَ «الْفَتْحِ» . ثُمَّ قَالَ: فَهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا تَدُورُ عَلَى نَافِعٍ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي الْوَاسِطَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَعْبٍ، وَقَدْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهَا، مِنْ أَنَّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ كَعْبٌ وَفَعَلَهُ إِنَّمَا هُوَ شَاةٌ.
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ ذَبَحَ شَاةً لِأَذًى كَانَ أَصَابَهُ، وَهَذَا أَصْوَبُ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ، وَاعْتَمَدَ ابْنُ بَطَّالٍ عَلَى رِوَايَةِ نَافِعٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فَقَالَ: أَخَذَ كَعْبٌ بِأَرْفَعِ الْكَفَّارَاتِ، وَلَمْ يُخَالِفِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنْ ذَبْحِ الشَّاةِ، بَلْ وَافَقَهُ، وَزَادَ. فَفِيهِ: أَنَّ مَنْ أَفْتَى بِأَيْسَرِ الْأَشْيَاءِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَرْفَعِهَا، كَمَا فَعَلَ كَعْبٌ.
قُلْتُ: هُوَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِمَا قَدَّمْتُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ.
وَقَدْ عَلِمْتَ مِنْهُ الرِّوَايَاتِ الْمَقْضِيَّةَ: أَنَّ النُّسُكَ فِي آيَةِ الْفِدْيَةِ الْمَذْكُورَةِ بَقَرَةٌ، وَأَنَّ الْجَوَابَ عَنْهَا مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: عَدَمُ ثُبُوتِ الرِّوَايَاتِ الْوَارِدَةِ بِالْبَقَرَةِ، وَمُعَارَضَتُهَا بِمَا هُوَ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مِنْ أَنَّ النُّسُكَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ شَاةٌ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ ثَابِتَةٌ، فَهِيَ لَا تُعَارِضُ الرِّوَايَاتِ