للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النِّيَابَةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ خَالَفَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّوْمِ عَنِ الْمَيِّتِ ; لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالدَّلِيلِ الصَّحِيحِ مِنَ الْوَحْيِ لَا بِآرَاءِ الْعُلَمَاءِ، إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ مِنَ الْوَحْيِ.

الْفَرْعُ الثَّانِي: وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْحُقُوقِ وَإِثْبَاتِهَا وَالْمُحَاكَمَةِ فِيهَا، سَوَاءٌ كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا، صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا. وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لِلْخَصْمِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ مُحَاكَمَةِ الْوَكِيلِ إِذَا كَانَ الْمُوَكِّلُ حَاضِرًا غَيْرَ مَعْذُورٍ ; لِأَنَّ حُضُورَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَمُخَاصَمَتَهُ حَقٌّ لِخَصْمِهِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْلُهُ إِلَى غَيْرِهِ بِغَيْرِ رِضَا خَصْمِهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ سَحْنُونٍ أَيْضًا مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ ; لِأَنَّ الْخُصُومَةَ أَمْرٌ لَا مَانِعَ مِنَ الِاسْتِنَابَةِ فِيهِ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ عَلَى الْخِصَامِ وَالْمُحَاكَمَةِ: أَنَّ الصَّوَابَ فِيهَا التَّفْصِيلُ.

فَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ مِمَّنْ عُرِفَ بِالظُّلْمِ وَالْجَبَرُوتِ وَالِادِّعَاءِ بِالْبَاطِلِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ التَّوْكِيلُ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [٤ \ ١٠٥] . وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنْ تَوْكِيلِهِ عَلَى الْخُصُومَةِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

الْفَرْعُ الثَّالِثُ: وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِجُعْلٍ وَبِدُونِ جُعْلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ جُعْلٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَّلَ أُنَيْسًا فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَعُرْوَةَ الْبَارِقِيَّ فِي شِرَاءِ الشَّاةِ مِنْ غَيْرِ جُعْلٍ. وَمِثَالُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَغَيْرِهَا.

وَالدَّلِيلُ عَلَى التَّوْكِيلِ بِجُعْلٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا [٩ \ ٦٠] فَإِنَّهُ تَوْكِيلٌ عَلَى جِبَايَةِ الزَّكَاةِ وَتَفْرِيقِهَا بِجُعْلٍ مِنْهَا كَمَا تَرَى.

الْفَرْعُ الرَّابِعُ: إِذَا عَزَلَ الْمُوَكِّلُ وَكِيَلَهُ فِي غَيْبَتِهِ وَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ بَعْدَ الْعَزْلِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ، أَوْ مَاتَ مُوَكِّلُهُ وَتَصَرَّفَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ، فَهَلْ يَمْضِي تَصَرُّفُهُ نَظَرًا لِاعْتِقَادِهِ، أَوْ لَا يَمْضِي نَظَرًا لِلْوَاقِعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ، وَهِيَ:

هَلْ يَسْتَقِلُّ الْحُكْمُ بِمُطْلَقِ وُرُودِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغِ الْمُكَلَّفَ، أَوْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ لِلْمُكَلَّفِ. وَيُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الِاخْتِلَافُ فِي خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ صَلَاةً الَّتِي نُسِخَتْ مِنَ الْخَمْسِينَ بَعْدَ فَرْضِهَا لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، هَلْ يُسَمَّى ذَلِكَ نَسْخًا فِي حَقِّ الْأُمَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>