أَوْ جَهْلُ الْحُكْمِ أَوِ النُّطْقِ انْجَلَبَ ... لِلسُّؤْلِ أَوْ جَرَى عَلَى الَّذِي غَلَبَ
وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ قَوْلُهُ: «أَوْ جَرَى عَلَى الَّذِي غَلَبَ» إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي رُجْحَانُهُ بِالدَّلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنْ وَلِيَّ الْمَقْتُولِ هُوَ الْمُخَيَّرُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، فَلَوْ أَرَادَ الدِّيَةَ وَامْتَنَعَ الْجَانِي فَلَهُ إِجْبَارُهُ عَلَى دَفْعِهَا ; لِدَلَالَةِ الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَلَى ذَلِكَ، وَدَلَالَةِ الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ الْآيَةَ [٤ \ ٢٩] ، وَيَقُولُ: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [٢ \ ١٩٥] .
وَمِنَ الْأَمْرِ الْوَاضِحِ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ إِهْلَاكَ نَفْسِهِ صَوْنًا لِمَالِهِ لِلْوَارِثِ: أَنَّ الشَّارِعَ يَمْنَعُهُ مِنْ هَذَا التَّصَرُّفِ الزَّائِغِ عَنْ طَرِيقِ الصَّوَابِ، وَيُجْبِرُهُ عَلَى صَوْنِ دَمِهِ بِمَالِهِ.
وَمَا احْتَجَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ مِنَ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ: أَعْطِنِي كَذَا عَلَى أَلَّا أَقْتُلَكَ لَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَعْطِنِي الدِّيَةَ الْمُقَرَّرَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ ; لِنَصِّ الْحَدِيثِ وَالْآيَةِ الْمَذْكُورَيْنِ.
وَلَوْ قَالَ لَهُ: أَعْطِنِي كَذَا غَيْرَ الدِّيَةِ لَمْ يُجْبَرْ، لِأَنَّهُ طَلَبٌ غَيْرُ الشَّيْءِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الشَّارِعُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ لَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ:
الْأُولَى: الْعَمْدُ، وَهُوَ الَّذِي فِيهِ السُّلْطَانُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ كَمَا قَدَّمْنَا.
وَالثَّانِيَةُ: شِبْهُ الْعَمْدِ. وَالثَّالِثَةُ: الْخَطَأُ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ، وَالشَّافِعِيُّ. وَنَقَلَهُ فِي الْمُغْنِي عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ، وقَتَادَةَ وَحَمَّادٍ، وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَالثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ.
وَخَالَفَ الْجُمْهُورَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ: الْقَتْلُ لَهُ حَالَتَانِ فَقَطْ. الْأُولَى: الْعَمْدُ، وَالثَّانِيَةُ الْخَطَأُ. وَمَا يُسَمِّيهِ غَيْرُهُ شِبْهُ الْعَمْدِ جَعَلَهُ مِنَ الْعَمْدِ. وَاسْتَدَلَّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَاسِطَةً بَيْنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، بَلْ