للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما حدث فعلًا الآن، في عصرنا الحديث، فقد نبتت نابتة تقول: إن السنة لم تنقل نقلًا صحيحًا، فينبغي تركها، ويرون مخالفتها لكتاب الله عز وجل١.

٦٥٦- والحق أنه لا ضير على المسلمين في ألا يستعملوا هذا المقياس عندما يتأكدون من صحة نقل الحديث بمنهاج المحدثين ومصفاتهم التي صفت الأحاديث الصحيحة، وأبعدت عنها كل موضوع أو ضعيف، لأنه قد تخفى على عقولنا الحكمة في بعض الأحاديث فنتوهم أنها تعارض مع بعض الأحاديث التي رواها الثقات، كما فعل الأحناف في حديث اليمين مع الشاهد، فقد قالوا: إن في الآية قصرًا، وأن هناك حدًّا أدنى للشهادة، مع أن تأويلًا آخر للآية -كما فعل الإمام الشافعي- أدى إلى وجهة نظر أخرى ترى أن الآية لا تتعارض مع الحديث، وتثبت ما هو أدنى إلى العقل، وهو: أن الحديث إذا صدق نقلته كان وثيق الصلة برسول الله، صلى الله عليه وسلم.

٦٥٧- على اننا يمكننا أن نستفيد من هذا المقياس في بعض الحالات وذلك عندما يكون الحديث ضعيفًا، فإنه مما يؤكد لنا ضعفه، ويطمئننا على ذلك أن يكون متعارضًا بوضوح مع كتاب الله.. وعند ترجيح بعض الأحاديث بعضها الآخر، ويكون في هذه الحالة عاملاً أيضًا من عوامل الاطمئنان والتأكيد فقط.

الإمام الشافعي واستخدام هذا المقياس:

٦٥٨- وهذا هو ما فعله الإمام الشافعي كما نرى ذلك في كتابيه اختلاف الحديث والرسالة.

ومن الأمثلة على ذلك اختياره لحديث من أحاديث صلاة الخوف دون آخر؛ "لأن فيه من الشبه بمعنى كتاب الله عز وجل"، فقد روى مالك عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله،


١ انظر مثلًا هذه المحاولة في كتاب "الأضواء القرآنية" وقد أشرنا إليه قبل ذلك.

<<  <   >  >>