للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٦٣٤- وعلى فرض صحة هذه الأحاديث فليس معناها الاكتفاء بكتاب الله وعرض السنة عليه، وإنما معناها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له خواص أبيح له فيها ما لم يبح للناس، وحرم عليه ما لم يحرم على الناس، فقال: "لا يمسكن الناس علي بشيء من الذي لي أو علي دونهم". أما قوله صلى الله عليه وسلم: "فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله"؛ فمعناه أنه لا يخرج عن حدود الله تعالى فيما يحرم أو يحلل، سواء أكان هذا التحليل أو التحريم تبليغًا عن الله بالقرآن أم بالسنة"١.

٦٣٥- ولم يسلم صاحب كشف الأسرار أن هذه الأحاديث فيها مخالفة للآية الكريمة: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول} الآية: وإذا قال: إن وجوب القبول بالكتاب إنما يثبت فيما تحقق أنه من عند الرسول عليه السلام بالسماع منه أو بالتواتر، ووجوب العرض إنما يثبت فيما تردد ثبوته عن الرسول عليه السلام، إذ هو المراد من قوله: "إذا روي لكم عني حديث" فلا يكون فيه مخالفة للكتاب بوجه.. على أن المراد من الآية الكريمة -والله أعلم- ما أعطاكم الرسول من الغنيمة فاقبلوه، وما نهاكم عنه، أي عن أخذه، فانتهوا، وعن ابن عباس والحسن: وما نهاكم عنه من الغلول٢.

٦٣٦- والحق أن الأحناف قد شقوا على أنفسهم حينما استدلوا على ما يذهبون إليه من عرض السنة الآحادية على الكتاب الكريم بمثل هذه الأحاديث، مما جعل خصومهم يضمونهم إلى منكري السنة ويردون عليهم بمثل ما ردوا به على هؤلاء، وكان يكفيهم القول بأن أخبار الآحاد ظنية وكتاب الله قطعي فلا يخصص القطعي بالظني ولا ينسخ به.

٦٣٧- ويلاحظ أن الإمام الشافعي لم يناقشهم في الحديث الآخر الذي ذكره السرخسي: "كل شرط ليس في كتاب الله"٣ الحديث، ويبدو أن متأخريهم هم الذين استدلوا به.. على أنه يمكن أن يقال: إن الحديث


١ معرفة السنن والآثار ١/ ٢٥ - ٢٦.
٢ كشف الأسرار ٣/ ٧٣٠.
٣ ص ٣١٣ من هذا البحث.

<<  <   >  >>