للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهم في هذا يتطابق اتجاههم مع اتجاه مالك وأكثر التابعين وتابعي التابعين، لأنهم كانوا يواجهون هذه المراسيل ويقولون بحجيتها ... وامتدت هذه المدرسة إلى مشارف القرن الثالث فكان لهم رأي فيما بعد أهل القرون الثلاثة هذه، وهذا ما يميز اتجاه هذه المدرسة عن الاتجاه الأول، ومن يدري لو كان الله قد قيض لمدرسة مالك نفس هذه القوة إلى ذلك الحين؟، ربما كانوا قد ذهبوا إلى ما ذهبت إليه هذه المدرسة.

٥٣٢- ويبدو أن أبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدًا قد قالوا بما قال به مالك، بدليل أن محمدًا مثلًا يعتمد على ما أرسله، وهو من أهل القرن الرابع١ "١٨٩ هـ" وفي "الموطأ" الذي رواه عن مالك يقول: "بلغنا عن عمار بن ياسر أنه أغمي عليه أربع صلوات ثم أفاق فقضى صلاته"٢ وأخذ بهذا، ويقول: "بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في السيرين جميعًا: "عليكم بالسكينة" حين أفاض من عرفه، وحين أفاض من المزدلفة"٣.

والمراد بالسيرين: سير العنق الذي هو بين الإبطاء، والإسراع، والنص وهو أرفع من العنق.

ويقول في هذا الباب: "بلغنا أنه قال صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالسكينة فإن البر ليس بإيضاع الإبل وإيجاف الخيل" فبهذا نأخذ٤.

٥٣٣- ووضع أساس تحديد القرون الثلاثة -على ما أعلم- عيسى بن أبان الذي عاش جزءًا من القرن الثالث الهجري "٢٢٠ هـ" ورأى أن


١ أصول السرخسي ١/ ٣٦٣. والقرن هنا معناه الجيل.
٢ موطأ الإمام مالك "٩٣ هـ - ١٧٩ هـ" رواية محمد بن الحسن الشيباني، تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة ١٣٨٧هـ - ١٩٦٧م الطبعة الثانية ص١٠٠.
٣ المصدر السابق ص ١٦٥.
٤ المصد السابق ص ١٦٤. ويقال: وضع البعير يضع وضعًا، وأوضعه راكبه إيضاعًا إذا حمله على سرعة السير "النهاية" وإيجاف الخيل أي إسراعها من الوجيف وهو سرعة السير ومنه الآية الكريمة: {فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ} "الحشر ٢٦" أي: فما أجريتم في تحصيله.

<<  <   >  >>