للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يتهم؛ لأن كتابه غير صحيح أو فيه أخطاء، ويؤدي هذا الحكم بطيبعة الحال إلى تضعيفه، قال الإمام أحمد: كان يحيى بن سعيد حسن الرأي في عبد الوهاب الخفاف، سمعته يقول: لما أراد الخفاف أن يحدثهم بحديث هشام الدستوائي أعطاني كتابه، فقال لي: انظر فيه فنظرت فيه، فضربت على أحاديث منها، فحدثهم، فكان صحيح الحديث١.

٣٠٢- ومن أجل خطورة الكتاب -على النحو الذي رأينا- وجدنا أن بعض الأئمة لا يحب أن تسجل إلا الأحاديث المتقنة؛ لأنها ستنقل إلى الأجيال عبر الكتاب، إذن فلا يسجل فيه إلا الأحاديث التي ضبطها الشيخ، يقول يحيى بن سعيد القطان: كان سفيان الثوري إذا حدثني بالحديث، فلم يتقنه قال: لا تكتبه٢.

٣٠٣- وإذا كان الكتاب هو كل زاد المحدث أو معظمه، فقد زاد حرصهم عليه حتى لا يضيع، أو تمتد إليه أيدي السوء، فيذهب ما يضبط به المحدث روايته؛ خاف سفيان الثوري شيئًا فطرح كتبه، فلما أمن أرسل إلى بعض تلاميذه، فأخرجوا هذه الكتب من بئر عميقة كان قد وضعها فيها٣.

٣٠٤- وحرص بعضهم على توثيق مروياته إلى أن تنقل في حياتهم نقلًا صحيحًا. أما إذا ماتوا فقد نقل هذه الكتب إلى من يحرف فيها أو ينسبها لنفسه أو يأخذها من لم يأذن لهم في حياته، ولهذا فقد رأينا سفيان الثوري وغيره يوصون بحرق كتبهم، ومحوها بعد وفاتهم، يقول ابن مطهر: أوصى سفيان إلى عمار بن سيف في كتبه؛ فما كان بحبر فاغسله، وما كان بأنقاس فامحه، فسخنا الماء واستعان بنا، فأخرج كتبًا كثيرة فجعلنا نمحوها ونغسلها٤.

٣٠٥- وكما أعان الكتاب المحدثين على ضبط مروياتهم -على النحو الذي رأينا- أعان النقاد أيضًا على معرفة صدق الراوي أو كذبه، وهل


١ المصدر السابق ١/ ٣٧٤ - ميزان الأعتدال ٢/ ٦٨١ - ٨٦٢.
٢ تقدمة المعرفة ص ٦٧.
٣، ٤ تقدمة المعرفة ص١١٥ و١١٦.

<<  <   >  >>