أن الإمبراطورية ظلت اثنتي عشرة سنة تتخذ خطة الدفاع بينما احتل جيش فارسي بلاد الأناضول وقام جيش فارسي آخر بفتح الشام فسقطت في أيديهم أنطاكية سنة ٦١١ ودمشق سنة ٦١٣، وفي ربيع سنة ٦١٤ دخل فلسطين القائد الفارسي شهرباراز فصار ينهب الأراضي ويحرق الكنائس أينما سار ولم يفلت من يده إلا كنيسة المهد في بيت لحم لما كان يعلو بابها من فسيفساء تمثل رسم صورة الحكماء القادمين من الشرق في أزياء فارسية، وفي ١٥ أبريل سنة ٦١٤ اقتحم شهرباراز بيت المقدس، واستعد البطريرك زكريا لتسليم المدينة ليتجنب سفك الدماء، غير أن السكان المسيحيين رفضوا الاستكانة إلى التسليم، وفي ٥ مايو سنة ٦١٤ وبفضل مساعدة اليهود المقيمين داخل المدينة شق الفرس طريقهم إلى داخل المدينة فتلا ذلك من المناظر المريعة ما يجل عن الوصف، إذ صحب اشتعال النار بالكنائس والدور من حول المسيحين أن تعرضوا للقتل دون تمييز فقام العساكر بالإجهاز على بعضهم بينما زاد عدد الذين لقوا مصرعهم على أيدي اليهود. وبلغ عدد الذين تعرضوا للقتل نحو ٦٠ ألفًا على ما جاء في بعض الروايات، وزاد على ٣٥ ألفًا من جرى استرقاته وبيعه ...
وزحف الفرس على مصر بعد ثلاث سنوات "٦١٧م" وأضحوا سادتها في خلال سنة واحدة. وفي تلك الأثناء تقدمت جيوشهم شمالًا حتى بلغت البوسفور.
على أن سقوط بيت المقدس في أيدي الفرس كان صدمة عنيفة للعالم المسيحي. وما قام به اليهود من دور في ذلك لم يجر نسيانه أو اغتفاره، فاتخذت الحرب مع الفرس صفة الحرب المقدسة. فلما صار هرقل آخر الأمر سنة ٦٢٢ قادرًا على أن يتخذ خطة الهجوم على العدو نذر نفسه وجيشه لله ومضى على أنه محارب مسيحي يقاتل قوى الظلمة "الشر".
واستطاع هرقل آخر الأمر برغم ما جرى من تقلبات عديدة في الأحداث وما اشتد من القلق واليأس في أوقات عديدة أن ينزل الهزيمة الساحقة بالفرس١.