فقد قال ابن كثير:"سنظهر لهم" دلالاتنا وحججنا على كون القرآن حقًا منزلًا من عند الله على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدلائل خارجية "في الآفاق" ودلائل في أنفسهم. ويحتمل أن يكون المراد من ذلك ما الإنسان مركب منه وفيه وعليه من المواد والأخلاط والهيئات العجيبة كما هو مبسوط في علم التشريح الدال على حكمة الصانع تبارك وتعالى".
حين نقول -إذن- إن الإعجاز العلمي للقرآن يمس ما نعرفه من علوم حديثه بمسمياتها مثل علوم: الأجنة، والطبيعة الجوية، والجيولوجيا، ونشأة الكون، وبناء الخلية الحية -وهو ما تمثله المجموعات الأربع من الآيات السابق ذكرها على الترتيب، فإننا في الواقع لا نأتي بجديد من ناحية الشكل أو الإطار العام، وإنما الجديد هو المزيد من وضوح الرؤية وتعدد الآيات وتنوعها، ودقة التفاصيل.
وإذا كان لا يزال يوجد بيننا اليوم من كتاب المسلمين الذين يترددون في الحديث عن الإعجاز العلمي للقرآن اكتفاء بكونه معجزة أثبتت نفسها بما فعلت في العرب والعالم، فلا شك أن هذا الموقف الجامد لم يعد له ما يبرره بعد أن انفتحت أعين الكثير من العلماء -مسلمين وغير مسلمين- على حقائق من الإعجاز العلمي للقرآن.
منذ نحو خمسين عامًا مضت كتب شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي تقديمًا لكتاب "حياة محمد" لمؤلفه الدكتور محمد حسين هيكل وكان مما قاله:
"يقول بعض علماء الكلام إن الاطلاع على علم تشريح الأفلاك وعلم تشريح الإنسان يدل أوضح الدلالة على شمول العلم الإلهي لدقائق الوجود، وأنا أقرر أيضًا أن العلم والكشف عن سنن الوجود وعجائبه سيكون نصير الدين "الإسلامي" وسيقرب إلى العقل الإنساني طريق فهم ما كان