كلمة عن الإعجاز اللغوي: مضى أكثر من ألف عام والباحثون في إعجاز القرآن يرون له أوجهًا مختلفة، وإن كانت جميعها -في رأيي- جاءت نتيجة لنظرهم إليه من زاوية واحدة هي لغة القرآن وما تشتمل عليه من ألفاظ ومعان ونظم. فالقرآن كلام من جنس كلام العرب ولكن قوته الإلهية فعلت بهم الأعاجيب إذ أحيتهم بعد موات وأخرجتهم من ظلمات شتى إلى نور الحق والحياة.
وإذا كانت عصا موسى واحدة من أفرع شجرة زيتون أو رمان، قطعها يومًا ليتوكأ عليها ويهش بها على غنمه، فإذا بها تتحول بعد الرسالة في يده إلى شيء آخر معجز: حية تسعى، وقوة تفلق البحر فتضرب به طريقًا يبسًا وتفجر من الحجارة أنهارًا -فهكذا يمكن القول عن كلام القرآن بأن إعجازه الحقيقي يكمن في فيضه الإلهي الذي غلب العرب على أمرهم -وهم أهل الكلام- فأخذهم بروعته وأصاب منهم لباب الأفئدة ومجامع الأحاسيس.
ولقد وفق قدامى الباحثين في بيان أوجه الإعجاز اللغوي للقرآن وكان من أمثلة ما قالوه في إعجاز نظمه ما عرضه عبد القاهرة الجرجاني -المتوفى عام ٤٧١هـ- في الآية رقم "١٠٠" من سورة الأنعام التي تقول: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} .
يقول عبد القاهر: "ليس بخاف أن لتقديم الشركاء حسنًا وروعة ومأخذًا في القلوب ... إنك لا تجد شيئًا منه إذا أخرت فقلت: وجعلوا الجن شركاء لله..
والسبب في ذلك.. هو أن للتقديم ها هنا فائدة شريفة ومعنى جليلًا لا سبيل إليه مع التأخير. وبيانه: إنا وإن كان نرى جملة المعنى ومحصوله أنهم جعلوا الجن شركاء وعبدوهم مع الله وكان هذا المعنى يحصل مع التأخر حصوله مع