هل يمكن أن يأتي الحديث عن الإعجاز القرآني مندرجًا تحت موضوع فرعي من جملة موضوعات يشتمل عليها واحد من فصول هذ الكتاب؟
كلا ... فالأمر أكبر من ذلك.
بيد أني سأحاول أن أقول كلمات متفرقات تشير إلى ملامح هذا البحر الزاخر، لعلها تعين على رسم صورة -ولو من بعيد- لحقيقة معجزة القرآن.
المعجزة وسيلة لا غاية.. هكذا يشهد تاريخ الرسالات.
فهي وسيلة تعين على الإيمان بالله ورسالاته حتى إذا آمن الناس التزموا بالمنهج الإلهي الذي يضمن لهم الخير في الدنيا والآخرة.
لقد كان عرب الجزيرة العربية قبل الإسلام على تلك الحال المعروفة وأقل ما يقال في أمرهم أنهم كانوا على هامش الحياة، فلما جاءهم القرآن وأسلموا لله وتمسكوا بمنهاجه، أحيا الله مواتهم فطلعوا على العالم بحضارة قوامها الدين والدنيا، وكان لهم من جماع الأمر ما أذهل العالم ولا يزال -حتى الآن.
يقول فيليب حتى: "لو قام في الثلث الأول من القرن السابع الميلادي أحد وتكهن بأن دولة خامدة الذكر وضيعة الجانب تخرج من مجاهل جزيرة العرب، ثم تنقض على الدولتين العظيمتين المعروفتين فتقوض الدولة الواحدة -دولة آل ساسان- وتظفر بأملاكها، ثم تقطع من ولايات الثانية -بيزنطة- أزهى مقاطعاته، نقول: لو صدرت مثل هذه النبوءة من فم إنسان ذلك العصر لحكم عليه بالجنون.
والواقع أن هذا ما حدث فعلًا. فبعد الرسول تغيرت طبيعة بلاد العرب الجدباء، وأخذت تنشئ رجالًا أبطالًا يندر وجود من يشاركهم في أي صقع