للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

انتصارًا للحق، لا أخذًا بالثأر، فوصف سحر الطبيعة وجمالها الأخاذ، ومنها١:

أما الغبار فلا يبدو لها شبح ... في أفق "أبها" فذاك القول بهتان

لأنها في الذرى باتت محصنة ... يحيطها من سياج الزهر ألوان

أما رأيت جمال "السودة" ... اصطبغت بعاطر الورد والأزهار تزدان

كم بلبل شاد صداحًا برونقها ... يردد اللحن فيها وهو جذلان

يكسو التلال سياجًا من خمائلها ... والورس برد وزهر الروض فستان

فيها عبير الشذى يغري بنشوته ... وللأريح بها نفح وعرفان

وكذلك قصيدة "تحية نجران ص١٤٩، ١٥٢" في الألمعيات أيضًا، وشعر الطبيعة كله ورد في "الألمعيات"، ولم يرد في الديوان الثاني "على درب الجهاد"؛ لأن الشاعر خصه للقضايا الإسلامية والشعر الإسلامي وما يتصل به، ولكن ليس معنى ذلك أنه لم يتعرَّض لسحر الطبيعة في هذا الديوان، لا، بل كان يقصد الغرض الإسلامي أولًا، ثم يكون تصوير الطبيعة تابعًا له، كما في قصيدة تحية المعهد الوطنية، وقد مرَّت أمثلة كثيرة.

وشعر الطبيعة عند زاهر تموج به الحياة، وتهتز الطبيعة للأحاسيس الرقيقة، وتتعاطف مع المشاعر العميقة، فتبذل حبها لمن يحبها، وتنساب أسرار الجمال فيها لمن يفطن لأسرارها، ولذلك حينما تبدلت مشاعر الشاعر "أحمد البدري" وتجمَّدت أحاسيسه، وهجم على أبها مدعيًا أنها تسيء إلى الآخرين، فيكتوون بنارها، هبَّ زاهر يدافع عن محبوبته "أبها" وجمال سحرها، ويصفه بجمود الإحساس وتبلّد العواطف يقول له٢:

لكل قول مدى الأزمان خذلان ... إن لم يقمه على الإنصاف ميزان

وزلة القول يهوي في مداركها ... من خانه الفهم واستجراه شيطان

فمنذ أن ردد "البدري" قولته ... في ذم أبها وللأطياف طوفان

جاء طيفي له في الأفق جلجلة ... تفتر منه القوافي وهي بركان

عجبت من شاعر ندت مشاعره ... فما رأى روضة بالزهر تزدان

لماذا؟ لأنَّ زاهر يجول بوجدانه ومشاعره في مجالي الطبيعة، فيسير أعماقها، ويسعد بأسرار الجمال فيها؛ لأنه أحبها وأحبته، وهام بها وهامت به، فجاء طيفه مجلجلًا بالأشعار، تفيض حممًا بالمشاعر والعواطف كالبركان، أما البدري فقد جمدت مشاعره، وغابت عن وجدانه، فليس بشاعر؛ لأن الشاعر هو الذي يهتز لأسرار الحياة، ويفطن لمكاتم الطبيعة الساحرة أكثر من


١ الألمعيات: ١٤٠ / ١٤٥.
٢ الألمعيات: ١٤٠/ ١٤٦.

<<  <   >  >>