ففي هذا النص بيان واضح أنهم كانوا مطالبين بالقتال لتحقيق الغاية الثانية وهي القيام بواجب تبليغ الحق الرباني، وفتح الأرض المقدسة وإزالة حكم الكفر، وإقامة حكم شريعة الرب.
وهذا هو الحكم في الإسلام إلا أنه أصبح مسايراً للدعوة العالمية التي جاء بها الإسلام، والتي ليست مهمتها قاصرة على حدود قومية أو حدود قومية.
فقد تدعو الضرورة إلى هذا النوع من القتال، وذلك حينما يكون شعب أو طائفة من الناس مغلوبين على أمرهم، محكومين بسلطة قاهرة، تحجب عنهم كل حقيقة، وتحرمه من ممارسة حق حريتهم فيما يعتقدون وفيما يعملون، ولا تسمح للدعاة المسلمين أن يدخلوا إليهم ويبصرهم بالحق الذي يحملونه، وأوجب الله عليهم تبليغه إلى الناس.
ولما كانت طبائع الحكم مهما كان نوعه تقاوم كل فكرة من شأنها أن تؤثر على نظامه، فإن ضرورة التبليغ دعت الإسلام إلى اللجوء إلى قتال الحكومات التي لا تسمح لسلطان التبليغ الحر أن ينتشر بين رعاياها المغلوبة على أمرها.
وهذا هو معنى وقوف الجيوش الإسلامية على أبواب الممالك التي فتحتها عارضة عليها واحداً من ثلاثة أمور:
١- فإما أن تدخل هذه الحكومات في الإسلام، وعندئذ تنتهي المشكلة، إذ تصبح الدعوة الإسلامية حرة الانتشار.
٢- وإما أن يعطوا الجزية للمسلمين، وهي مرتبة دون الأولى، وهي تتضمن إعطاء الحرية التامة للدعوة الإسلامية الربانية أن تنتشر بين صفوف الشعب المكلف بدفع الجزية.
٣- وإما أن تناجز السلطة الحاكمة المسلمين القتال، وهو أمر ألجأت إليه الضرورة، والغرض منه تحقيق حرية انتشار الدعوة، وإقامة العدل عن طريق حكومة إسلامية رشيدة.
أمَّا الإكراه في الدين فلا مجال له بحال من الأحوال، لأن أول أسس الدين عقيدة في القلوب، ومحال أن تكره القلوب إكراهاً مادياً على أن تعتقد