عادة الحفاظ إذا ترجموا أحداً ممن تكلم فيه أن يسردوا في ترجمته كثيراً من الأحاديث التي أنكرت عليه، وإن كان له أحاديث سواها صالحة نبهوا على أن ما عدا ما سردوه من أحاديثه صالح مقبول، خصوصاً إذا كان الرجل ممن خرج له في أحد ((الصحيحين)) ، فإنهم يقولون: إن صاحب الصحيح لم يخرج من حديثه إلا ما صح عنده من طريق غيره، فلا يلزم من ذلك قبول كل ما رواه. هكذا نصوا عليه. وهذا الرجل روى له مسلم مقروناً بأبي إسحاق الشيباني، فالحجة في رواية أبي إسحاق، والحديث الذي خرجه صحيح من طريق أبي إسحاق لا من طريق ليث ابن أبي سليم. ولما ترجمه ابن عدي في ((الكامل)) سرد أحاديثه التي أنكر ت عليه ثم قال: له أحاديث صالحة غير ما ذكرت، وكذا صنع الحافظ الذهبي في ((الميزان)) سرد له أكثر من عشرة أحاديث أنكرت عليه منها هذا الحديث الذي نحن فيه - أعني حديث: من قال أنا عالم فهو جاهل - وحديث: من ولد له ثلاثة أولاد فلم يسم أحدهم محمد فقد جهل، وقد أورده ابن الجوزي في ((الموضوعات)) وحديث: كان باليمن ماء يقال له: زعاق، من شرب منه مات. فلما بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجه إليه: أيها الماء أسلم، فقد أسلم الناس. فكان بعد ذلك من شرب منه حم ولا يموت، في أحاديث أخر، على أن هذا الحديث الذي نحن فيه لم يجزم ليث برفعه لقوله فيما تقدم: لا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذه الصيغة تقال عند الشك ... )) .
ثم مال رحمه الله إلى بطلان المتن لثبوت خلافه عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم، وأورد إشكالاً على حكمه بالبطلان مع عدم ثبوتها ليث بكذب، فأجاب عنه بأحسن بيان. وسوف نورد تمام كلامه هذا إن شاء الله في قسم آخر من هذا الكتاب، فقد جاء الحديث الذي أسس السيوطي الرسالة على بطلانه عن كل من عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويحيى بن أبي كثير رحمه الله، ولم يثبت عنهما. وأقول: هكذا فليكن التحقيق، وقد أطال الحافظ السيوطي رحمه الله النفس في بيان حال ليث بما لم أره لغيره، ويا ليته ثبت على هذا