بَيَانُ ذَمِّ الرِّيَاءِ:
وَهُوَ طَلَبُ الْجَاهِ وَالْمَنْزِلَةِ بِالْعِبَادَاتِ: اعْلَمْ أَنَّ الرِّيَاءَ حَرَامٌ، وَالْمُرَائِيَ عِنْدَ اللَّهِ مَمْقُوتٌ، وَقَدْ شَهِدَتْ لِذَلِكَ الْآيَاتُ وَالْأَخْبَارُ:
أَمَّا الْآيَاتُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ) [الْمَاعُونِ: ٤، ٦] وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ) [فَاطِرٍ: ١٠] قَالَ «مجاهد» : «هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ» . وَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الْإِنْسَانِ: ٩] .
فَمَدْحُ الْمُخْلِصِينَ بِنَفْيِ كُلِّ إِرَادَةٍ سِوَى وَجْهِ اللَّهِ وَالرِّيَاءُ ضِدُّهُ وَقَالَ تَعَالَى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الْكَهْفِ: ١١٠] نَزَلَ ذَلِكَ فِيمَنْ يَطْلُبُ الْأَجْرَ وَالْحَمْدَ بِعِبَادَاتِهِ وَأَعْمَالِهِ.
وَمِنَ الْأَحَادِيثِ: قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ عَمِلَ لِي عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَهُوَ لَهُ كُلُّهُ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وَأَنَا أَغْنَى الْأَغْنِيَاءِ عَنِ الشِّرْكِ» .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ» قَالُوا: «وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ» ؟ قَالَ: «الرِّيَاءُ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جَازَ الْعِبَادُ بِأَعْمَالِهِمْ: اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمُ الْجَزَاءَ» .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَمَلًا فِيهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ رِيَاءٍ» وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَدْنَى الرِّيَاءِ شِرْكٌ» .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ فِي ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ رَجُلًا تَصَدَّقَ بِيَمِينِهِ فَكَانَ يُخْفِيهَا عَنْ شِمَالِهِ» وَلِذَلِكَ وَرَدَ: «إِنَّ فَضْلَ عَمَلِ السِّرِّ عَلَى عَمَلِ الْجَهْرِ بِسَبْعِينَ ضِعْفًا» .
وَرُوِيَ أَنَّ الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلْيَدْهِنْ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ وَيَمْسَحْ شَفَتَيْهِ، لِئَلَّا يَرَى النَّاسُ أَنَّهُ صَائِمٌ، وَإِذَا أَعْطَى بِيَمِينِهِ فَلْيُخْفِ عَنْ شِمَالِهِ، وَإِذَا صَلَّى فَلْيُرْخِ سِتْرَ بَابِهِ» .
وَمِنَ الْآثَارِ مَا رُوِيَ أَنَّ «عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ» رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى رَجُلًا يُطَأْطِئُ رَقَبَتَهُ فَقَالَ: «يَا صَاحِبَ الرَّقَبَةِ ارْفَعْ رَقَبَتَكَ لَيْسَ الْخُشُوعُ فِي الرِّقَابِ إِنَّمَا الْخُشُوعُ فِي الْقُلُوبِ» .
وَرَأَى «أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ» رَجُلًا فِي الْمَسْجِدِ يَبْكِي فِي سُجُودِهِ فَقَالَ: «أَنْتَ أَنْتَ! لَوْ كَانَ هَذَا فِي بَيْتِكَ» .
وَقَالَ «الضحاك» : «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ هَذَا لِوَجْهِ اللَّهِ وَلِوَجْهِكَ، وَلَا يَقُولَنَّ هَذَا لِلَّهِ وَلِلرَّحِمِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا شَرِيكَ لَهُ» .