للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا عيب في اليحموم غير هزاله ... على أنه يوم الهياج سمين

وكم من عظيم الخلق عبل موثق ... حواه وفيه بعد ذاك جنون١

وطرافة الصورة تأتي من أن الشنفرى يضفي صفات التصعلك على جواده، فهو جواد هزيل كصاحبه، جنى عليهما الفقر والجوع، ولكنه كصاحبه أيضا جريء مقدام، كأنما يشعر كما يشعر صاحبه بأن الحق للقوة، وأن الرزق في الشجاعة، وأن الجواد الخامل كالصعلوك الخامل. وتأتي طرافة الصورة أيضا من أن الشنفرى يلون صورة جواده بألوان مغامراته هو، فإذا جواده صورة منه، كم حوى من خيل سمينة قوية موثقة، كشأنه هو مع أفراد مجتمع الأغنياء، وهكذا يقدم لنا الشنفرى جواده على أنه "جواد صعلوك".

فإذا ما قتل الشنفرى، وفزع صديقه الحميم وأستاذه تأبط شرا لأحزانه عليه يستمد منها رثاءه له، لم ينس ذلك "الجواد الصعلوك" فخصه ببيتين رائعين من مرثيته، عند حديثه عن الوسائل التي كان يعتمد عليها الشنفرى في قتاله، عزمه، وقوسه، وسيفه، وفرسه:

وأشقر غيداق الجراء كأنه ... عقاب تدلى بين نيقين كاسر

يجم جموم البحر طال عبابه ... إذ فاض منه أول جاش آخر٢

الآراء الاجتماعية والاقتصادية:

من الطبيعي أن يعلل الشعراء الصعاليك لمغامراتهم الدامية التي وهبوا لها حياتهم، وأن يفسروا الدوافع التي دفعتهم إلى تلك الثورة التي أشعلوها في وجه مجتمعهم، حتى تكون حركتهم التي وصفها مجتمعهم بالشذوذ قائمة على أساس معلل مسبب، وحتى تكون إجاباتهم حاضرة لكل من يسألهم:


١ ديوانه المطبوع / ٤٠. وحماسة الخالديين "مخطوطة" ورقة رقم ٤٠٠.
٢ ديوان الشنفرى في الطرائف الأدبية / ٢٨. وحماسة الخالديين "مخطوطة" ورقة رقم ٤١٧ - الغيداق: الطويل. والجراء: لجري. والنيق: أرفع موضع في الجبل. وجم الماء: كثر واجتمع.

<<  <   >  >>