للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وما أكثر ما نجد في شعرهم استخدام ضمير الجماعة، يعبرون به عن رفاقهم لا عن قبائلهم.

وقد مر بنا في صدر هذا الفصل١ حديث الشنفرى في بائيته عن رفاقه الذين خرج معهم ليغزوا العوص، أولئك الرفاق الثمانية الذين يعتز بهم، ويملأ الإعجاب بهم نفسه، حتى ليصفهم بأنهم:

سراحين فتيان كأن وجوههم ... مصابيح أو لون من الماء مذهب

ورأينا كيف وصف خروجهم معه، وسيرهم إلى العوص ثلاث ليال على الأقدام، والدور الذي قام به كل واحد منهم في الغارة، فمن مهاجم بسيفه لا يثني ولا يلين، ومن مدافع عن رفاقه يحمي ظهورهم، حتى تم لهم النصر، وعادوا بغنيمتهم إلى قومهم الصعاليك.

وفي تائيته المفضلية المشهورة يحدثنا الشنفرى أيضا عن غزوة له لبني سلامان أعدائه الألداء، بل ألد أعدائه، على رأس جماعة من رفاقة الصعاليك٢، وهو يبدأ الحديث برسم صورة لرفاقه، صورة سريعة ولكنها قوية ومعبرة، فهم جماعة من الغزاة المغامرين قد احمرت قسيهم لكثيرة غزواتهم، ويقدم نفسه لنا رئيسا عليهم، يبعثهم للغزو وهو يعلم أن النصر والهزيمة أمران يتعرض لهما كل مغامر، وما احتمال الهزيمة بصارف له من المغامرة، فهذه طبيعة المغامرة، ومن يغز يغنم مرة ويشمت مرة أخرى. ثم بعد أن ينتهي من تقديم رفاقه وتقديم نفسه، يأخذ في وصف خروجهم، فيحدد أولا الموضع الذي اجتمعوا فيه بأمره تحديدا جغرافيا دقيقا، ثم يذكر الدوافع التي دفعته إلى هذه المغامرة، ثم يهون على نفسه مشقة الطريق، فستنتهي هذه المشقة باقترابه من هدفه حيث يراوح أعداءه ويغاديهم بغاراته، ثم يعود بعد هذا إلى رفاقه ليتحدث عنهم حديث طويلا، وهو يخص أحدهم -وهو تأبط شرا الذي كان يقوم على زادهم في غزواتهم، ويتولى أمر "التموين" فيها- بحديث مرح


١ انظر: ص١٨٢ من هذا البحث.
٢ المفضليات/ ٢٠٢-٢٠٥ وانظر أيضا ص٥٠ من هذا البحث.

<<  <   >  >>