فَقُلْتُ لِسَلَمَةَ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ عَلَى أَيِّ شيء كنتم تُبَايِعُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ. فَذَكَرَ الْحَدِيثَ, وَقَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَا إِلَى الْبَيْعَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ، فَبَايَعْتُهُ أول الناس وبايع وبايع حتى إذا فِي وَسَطِ النَّاسِ قَالَ: "بَايِعْنِي يَا سَلَمَةُ". فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَايَعْتُكَ. قَالَ: "وأيضًا". قال: ورآني غزلا فَأَعْطَانِي حَجَفَةً أَوْ دَرَقَةً. ثُمَّ بَايَعَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ قَالَ: "أَلَا تُبَايِعْ"؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَايَعْتُكَ فِي أَوَّلِ النَّاسِ وَأَوْسَطِهِمْ. قَالَ: "وَأَيْضًا". فَبَايَعْتُ الثَّالِثَةَ. فَقَالَ: "يَا سَلَمَةُ أَيْنَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ"؟ قُلْتُ: لَقِيَنِي عَامِرٌ فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهُ. فَضَحِكَ ثُمَّ قَالَ: "أنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الْأَوَّلُ: اللَّهُمَّ أَبْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي". ثُمَّ إِنَّ مُشْرِكِي مَكَّةَ رَاسَلُونَا بِالصُّلْحِ حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ فَاصْطَلَحْنَا. وَكُنْتُ خَادِمًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَسْقِي فَرَسَهُ وَأَحُسُّهُ وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ, وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ, فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ أَتَيْتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا فَاضَّطَجَعْتُ فِي ظِلِّهَا, فَأَتَانِي أَرْبَعةٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَبْغَضْتُهُمْ، فَتَحَوَّلَتْ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى، فَعَلَّقُوا سِلَاحَهُمْ وَاضْطَجَعُوا, فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنادٍ مِنْ أَسْفَلِ الْوَادِي: يَا لِلْمُهَاجِرِينَ، قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ.
فَاخْتَرَطْتُ سَيْفِي فَشَدَدْتُ عَلَى أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةِ وَهُمْ رُقُودٌ، فَأَخَذْتُ سِلَاحَهُمْ فَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا فِي يَدِي، ثُمَّ قُلْتُ، وَالَّذِي كرم وجه محمد -صلى الله عليه وسلم- لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه. ثم جئت بهم أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنَ الْعَبَلَاتِ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزٌ يَقُودُهُ مُجَفَّفًا حَتَّى وَقَفْنَا بِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ. وَقَالَ: "دَعُوهُمْ، يَكُونُ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ". فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأُنْزِلَتْ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} [الفتح: ٢٤] الآية. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ١.
وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رِجَالا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ هَبَطُوا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ قِبَلِ جَبَلِ التَّنْعِيمِ لِيُقَاتِلُوهُ. قَالَ: فَأَخَذَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخْذًا، فَأَعْتَقَهُمْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} الآية، أخرجه مسلم.
١ أخرجه مسلم "١٨٠٧" في الجهاد والسير.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute