للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلا بِذَا أُمِرْتَ، فَوَقَفْتُ وَقُلْتُ: انْتَهَيْتُ انْتَهَيْتُ، جَاءَنِي نَذِيرٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَاللَّهِ لا عَصَيْتُ اللَّهَ بَعْدَ يَوْمِي إِذَا مَا عَصَمَنِي رَبِّي. فَرَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي، فخلَّيت عَنْ فَرَسِي، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رُعَاةٍ لِأَبِي، فَأَخَذْتُ مِنْهُ جبَّة وَكِسَاءً، وَأَلْقَيْتُ ثِيَابِي إِلَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى الْعِرَاقِ فَعَمِلْتُ بِهَا أَيَّامًا، فَلَمْ يَصْفُ لِي مِنْهَا الْحَلالُ، فَقِيلَ لِي: عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَصِرْتُ إِلَى المصِّيصة، فَعَمِلْتُ بِهَا، فَلَمْ يَصْفُ لِي الْحَلالُ، فَسَأَلْتُ بَعْضَ الْمَشَايِخِ فَقَالَ: إِنْ أَرَدْتَ الْحَلالَ الصَّافِيَ فَعَلَيْكَ بِطَرَسُوسَ، فَإِنَّ فِيهَا الْمُبَاحَاتِ وَالْعَمَلَ الْكَثِيرَ، فَأَتَيْتُهَا، فَعَمِلْتُ بِهَا أَنْظُرُ فِي الْبَسَاتِينِ وَأَحْصُدُ، فَبَيْنَمَا أَنَا عَلَى بَابِ الْبَحْرِ جَاءَنِي رَجُلٌ أَنْظُرُ لَهُ، فَكَتَبْتُ فِي الْبُسْتَانِ مُدَّةً، فَإِذَا بِخَادِمٍ قَدْ أَقْبَلَ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَعَدَ فِي مَجْلِسِهِ فَصَاحَ: يَا نَاظُورُ، اذْهَبْ فَآتِنَا بِأَكْبَرِ رُمَّانٍ تَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَطْيَبِهِ، فَذَهَبْتُ فَأَتَيْتُهُ بِأَكْبَرِ رُمَّانٍ، فَكَسَرَ رُمَّانَةً فَوَجَدَهَا حَامِضَةً فَقَالَ: أَنْتَ عِنْدَنَا كَذَا وَكَذَا تَأْكُلُ فَاكِهَتَنَا وَرُمَّانَنَا، لا تَعْرِفُ الْحُلْوَ مِنَ الْحَامِضِ، قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا ذُقْتُهَا.

فَأَشَارَ إِلَى أَصْحَابِهِ تَسْمَعُونَ كَلامَ هَذَا، ثُمَّ قَالَ لِي: أَتَرَاكَ لَوْ أَنَّكَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ زَادَ عَلَى هَذَا فَانْصَرِفْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ ذَكَرَ صِفَتِي فِي الْمَسْجِدِ، فَعَرَفَنِي بَعْضُ النَّاسِ، فَجَاءَ الْخَادِمُ وَمَعَهُ عُتَقٌ مِنَ النَّاسِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ قَدْ أَقْبَلَ اخْتَفَيْتُ خَلْفَ الشَّجَرِ وَالنَّاسُ دَاخِلُونَ، فَاخْتَلَطْتُ مَعَهُمْ وَهُمْ دَاخِلُونَ وَأَنَا هَارِبٌ١.

رَوَى يُونُسُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْبَلْخِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ نَحْوَهَا.

إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَصْرٍ الْمَنْصُورِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ غَالِبٍ قَالا: نَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ، وَأَبُو يُوسُفَ الْغَسُولِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ السِّنْجَارِيُّ، وَنَحْنُ مُتَوَجِّهُونَ نُرِيدُ الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَصِرْنَا إِلَى نَهْرِ الأُرْدُنِ، فَقَعَدْنَا نَسْتَرِيحُ، فقرَّب أَبُو يُوسُفَ كُسَيْرَاتٍ يَابِسَاتٍ.

فَأَكَلْنَا وَحَمِدْنَا اللَّهَ، وَقَامَ بَعْضُنَا لِيَسْقِيَ إِبْرَاهِيمَ، فَسَارَعَهُ فَدَخَلَ فِي الْمَاءِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ وَشَرِبَ، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ، ثُمَّ خَرَجَ فَمَدَّ رِجْلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا يُوسُفَ: لَوْ عَلِمَ الْمُلُوكُ وَأَبْنَاءُ الْمُلُوكِ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنَ السُّرُورِ وَالنِّعَمِ، إِذًا لجالدونا عليه بأسيافهم٢.


١ أخرجه أبو نعيم في الحلية "٧/ ٣٦٨-٣٦٩"، وابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق "٢/ ١٧٢".
٢ أخرجه أبو نعيم في الحلية "٧/ ٣٧٠-٣٧١"، وابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق "٢/ ١٧٩".