للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَلاتِي، فَمَا لَبِثْنَا إِلا سَاعَةً، فَإِذَا بِرَجُلٍ قَدْ جَاءَ بِثَمَانِيَةِ أَرْغِفَةٍ وَتَمْرٍ كَثِيرٍ، فَوَضَعَهُ، فَقَالَ: كُلْ يَا مَغْمُومُ، فَدَخَلَ سَائِلٌ فَقَالَ: أطْعِمُونَا فَدَفَعَ إِلَيْهِ ثَلاثَةَ أَرْغِفَةٍ مَعَ تَمْرٍ، وَأَعْطَانِي ثَلاثَةً وَأَكَلَ رَغِيفَيْنِ١.

وَكُنْتُ مَارًّا مَعَ إِبْرَاهِيمَ، فَأَتَيْنَا عَلَى قَبْرٍ مسنَّم، فَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَقَالَ: هَذَا قَبْرُ حُمَيْدِ بْنِ جَابِرٍ أَمِيرِ هَذِهِ الْمُدُنِ كُلِّهَا، كَانَ غَرِقَ فِي بِحَارِ الدُّنْيَا ثُمَّ أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْهَا٢.

بَلَغَنِي أَنَّهُ سُرَّ ذَاتَ يَوْمٍ بِشَيْءٍ وَنَامَ، فَرَأَى رَجُلا بِيَدِهِ كِتَابٌ، فَنَاوَلَهُ فَفَتَحَهُ، فَإِذَا فِيهِ كِتَابٌ بِالذَّهَبِ مَكْتُوبٌ: لا تُؤْثِرَنَّ، فَإِنَّنَا عَلَى بَاقٍ، وَلا تغترَّنّ بِمُلْكِكَ، فَإِنَّ مَا أَنْتَ فِيهِ جَسِيمٌ، لَوْلا أَنَّهُ عَدِيمٌ، وَهُوَ مُلْكٌ، لَوْلا أَنَّ بَعْدَهُ هَلَكٌ، وَفَرَحٌ وَسُرُورٌ، لَوْلا أَنَّهُ لَهْوٌ وَغُرُورٌ -وَهُوَ يَوْمٌ لَوْ كَانَ يُوثَقُ لَهُ بغدٍ، فَسَارِعْ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، فَإِنَّ الله قال: {سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: ١٣٣] فَانْتَبَهَ فَزِعًا وَقَالَ: هَذَا تَنْبِيهٌ مِنَ اللَّهِ وَمَوْعِظَةٌ، فَخَرَجَ مِنْ مُلْكِهِ وَقَصَدَ هَذَا الْجَبَلَ، فَعَبَدَ اللَّهَ فِيهِ حَتَّى مَاتَ٣.

إِسْحَاقُ بْنُ الضَّيْفِ: ثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُعَلِّمُ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ أَدْهَمَ حَصَدَ لَيْلَةً مَا يَحْصُدُ غَيْرُهُ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ، فَأَخَذَ أُجْرَتَهُ دِينَارًا.

أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ الصفَّار: أَنَا يُوسُفُ الْحَافِظُ، أَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَا أَبُو عَلِيٍّ الحدّاد، أنا أبو نُعَيم، نا إبراهيم ابن عَبْدِ اللَّهِ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّراج، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ بَشَّارٍ، قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ: كَيْفَ كَانَ بُدُوُّ أَمْرِكَ؟ قَالَ: غَيْرُ ذَا أَوْلَى بِكَ، قُلْتُ: أَخْبِرْنِي لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهِ يَوْمًا، فَقَالَ: كَانَ أَبِي مِنْ أَهْلِ بَلْخَ، وَكَانَ مِنْ مُلُوكِ خُرَاسَانَ الْمَيَاسِيرِ، وحبَّب إِلَيْنَا الصَّيْدَ، فَخَرَجْتُ رَاكِبًا فَرَسِي وَمَعِي كَلْبِي، فَبَيْنَمَا أَنَا كَذَلِكَ ثَارَ أَرْنَبُ أَوْ ثَعْلَبٌ، فَحَرَّكْتُ فَرَسِي، فَسَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ وَرَائِي: لَيْسَ لِذَا خُلِقْتَ، وَلا بِذَا أُمِرْتَ، فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً، فَلَمْ أَرَ أَحَدًا -فَقُلْتُ، لَعَنَ اللَّهُ إِبْلِيسَ، ثُمَّ حَرَّكْتُ فَرَسِي، فَأَسْمَعُ نِدَاءً أَجْهَرَ مِنْ ذَلِكَ: يَا إِبْرَاهِيمُ لَيْسَ لِذَا خُلِقْتَ، وَلا بِذَا أُمِرْتَ، فَوَقَفْتُ أَنْظُرُ، فَلا أَرَى أَحَدًا، فَقُلْتُ: لَعَنَ اللَّهُ إِبْلِيسَ، ثُمَّ حَرَّكْتُ فَرَسِي، فَأَسْمَعُ نِدَاءً مِنْ قربوس سرجس يا إبراهيم ما لذا خلقت،


١ أخرجه أبو نعيم في الحلية "٧/ ٣٧٠"، وابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق "٢/ ١٨٢".
٢ أخرجه ابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق "٢/ ١٩٦".
٣ أخرجه ابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق "٢/ ١٩٦".