للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَانَ زياد لبيبًا فاضلًا، حازمًا، من دُهاة العرب، بحيث يُضرب بِهِ المثل١.

يُقَالُ أَنَّهُ كتب لأبي موسى، وللمغيرة بن شُعْبة، ولعَبْد اللَّهِ بن عامر، وكتب بالْبَصْرَة لابن عباس.

وذكر الشَّعْبِيُّ: أن عَبْد اللَّهِ بن عباس لَمَّا سَارَ من الْبَصْرَةِ مع عَلِيّ إِلَى صِفين استخلف زيادًا عَلَى بيت المال.

وذكر عَوَانَةَ بن الحَكَم أن أبا سفيان بن حرب صار إِلَى الطائف فسكر، فالتمس بَغِيًّا، فأحضرت لَهُ سُمية، فواقعها، وكانت مزوجة بُعبيد مولى الحارث بن كَلَدَة، قَالَ: فولدت زيادًا، فادعاه مُعَاوِيَة في خلافته، وأَنَّهُ من ظَهْر أَبِي سفيان٢.

وَلَمَّا تُوُفِّيَ عَلِيّ كَانَ زياد عامله عَلَى فارس، فتحصن في قلعة، ثُمَّ كاتب مُعَاوِيَة أن يصالحه عَلَى ألفي ألف درهم، ثُمَّ أقبل زياد من فارس٣.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: إِنَّ زِيَادًا قَالَ لِأَبِي بكرة، وهو أخوه لأمه: ألم تر أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَنِي عَلَى كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ وُلِدْتُ عَلَى فِرَاشِ عُبَيْدٍ وَأَشْبَهْتُهُ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" ٤.

ثُمَّ جَاءَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، وَقَدِ ادَّعَاهُ.

قَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا رأيت أحدًا أخطب من زياد.

وقال قبيصة بن جابر: مَا رأيت أخصب ناديًا، وَلَا أكرم جليسًا، وَلَا أشبه سريرة بعلانية من زياد، مَا كَانَ إِلَّا عروسًا.

وَقَالَ الفقيه الْوَزير أَبُو محمد بن حزم في كتاب الْفِضَلِ: ولقد امتنع زياد وَهُوَ فِقَعة القاع٥ لَا عشيرة لَهُ وَلَا نسب، وَلَا سابقة، وَلَا قدم، فما أطاقه مُعَاوِيَة إِلَّا بالمداراة، حتى أرضاه وولاه٦.


١ السير "٣/ ٤٩٥".
٢ تهذيب تاريخ دمشق "٥/ ٤١٢" لابن بدران.
٣ المصدر السابق.
٤ حديث صحيح: أخرجه البخاري "١٢/ ٤٦"، ومسلم "٦٣" من حديث سعد رضي الله عنه.
٥ أي لا أصل له، ولا قيمة.
٦ السير "٣/ ٤٩٦".