وقال ابن السّمعاني: حافظ مبرّز في صَنْعه الحديث، داوودي المذهب، سمع الكثير، ونسخ بخطّه إلى آخر عُمره. وكان يسمع وينسخ.
وقال ابن ناصر: فيه تساهُل في السَّماع، يتحدَّث ولا يُصْغي ويقول: يكفيني حضور المجلس. ومذهبه في القراءات مذهب سوء. مات في ربيع الْآخر.
قلت: روى عَنْهُ أَبُو القاسم بْن عساكر، ويحيى بن بوش، وأبو الفتح المندائيّ، وجماعة.
وخمل ذِكره لبِدْعته.
٦٢- محمد بن عبد الله بن تُومَرْت١.
أبو عبد الله الملَّقب نفسَه بالمهديّ المَصْمُودي، الهَرْغيّ، المغربيّ، صاحب دعوة السّلطان عبد المؤمن ملك المغرب.
كان يدّعي أنّه حَسَنيّ عَلَويّ، وهو من جبل السَّوس في أقصي المغرب.
نشأ هناك، ثمّ رحل إلى المشرق لطلب العِلْم، ولقي أبا حامد الغزّاليّ، وإلِكيا أبا الحسن الهَرّاسيّ، وأبا بكر الطُّرْطُوشيّ.
وجاوَرَ بمكة، وحصّل طَرَفًا جيّدًا من العلم. وكان متورّعًا، متنسّكًا، مَهِيبًا، متقّشفًا، مخشَوْشِنًا، أمَّارًا بالمعروف، كثير الإطراق، متعبّدًا، يبتسم إلى من لقِيه، ولا يصحبه من الدنيا إلى عصاةٌ وركْوَة.
وكان شجاعًا، جريئًا، عاقلًا، بعيد الغور، فصيحًا في العرب، قد طُبع على النَّهْي عن المُنْكَر، متلذّذًا به، متحملًا المشقَّة والأذى فيه. أوذِي بمكة لذلك، فخرج إلى مصر، وبالغ في الإنكار، فزادوا في أَذَاه وطُرِد.
وكان إذا خاف من البْطش وإيقاع الفعل به خلّط في كلامه ليظنّوه مجنونًا، فخرج إلى الإسكندرية، فأقام بها مُدَّة.
ثمّ ركب البحر إلى بلاده.
وكان قد رأى في منامه وهو بالمشرق كأنه قد شرب ماء البحر جميعه كرّتين، فلمّا ركب السّفينة شرع ينكر، وألْزمهم بالصّلاة والتّلاوة، فلما انتهى إلى المَهْديَّة، وصاحبها يومئذٍ يحيى بن تميم الصَّنْهاجيّ، وذلك في سنة خمسٍ وخمسمائة، نزل بها
١ الكامل في التاريخ "١٠/ ٥٦٩-٥٨٢"، سير أعلام النبلاء "١٩/ ٥٣٩-٥٥٢"، البداية والنهاية "١٢/ ١٨٦، ١٨٧".