للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن خيرون: مات ضَحْوة الإثنين، ودُفِن بباب حرب. وتصدَّق بماله وهو مائتا دينار، وأوصى بأن يُتصدَّق بجميع ثيابه، ووَقف جميع كُتُبه، وأُخْرِجت جنازته من حجرةٍ تلي النظامية فِي نهر مُعَلَّى، وتبَعه الفُقهاء والخَلْق، وحُمِلت جنازته إِلَى جامع المنصور، وكان بين يدي الجنازة جماعة يُنادون: هَذَا الَّذِي كان يذبّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا الَّذِي كان يَنْفي الكذِب عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا الَّذِي كان يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وخُتِم على قبره عدّة ختمات١.

وقال الكتاني: وردَ كتابُ جماعةٍ أَن أَبَا بَكْر الحافظ تُوُفّي فِي سابع ذي الحجة، وكان أحدَ من حمل جنازته الْإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشّيرازي، وكان ثقة، حافظًا، متقِنًا، مُتَحَرّيا، مصنّفًا٢.

وقال أَبُو البركات إِسْمَاعِيل بْن أَبِي سعْد الصُّوفيّ: كان الشَّيْخ أَبُو بَكْر بْن زهْراء الصُّوفي، وهو أَبُو بَكْر بْن عليّ الطُّرَيْثِيثيّ الصُّوفي، برباطنا قد أعدَّ لنفسه قبرًا إِلَى جانب قبر بِشْر الحافي، وكان يمضي إليه فِي كل أسبوع مرّة وينام فِيه، ويقرأ فِيهِ القرآن كلّه، فلمّا مات أَبُو بَكْر الخطيب، وكان قد أوْصى أن يُدفن إِلَى جنب قبر بِشْر الحافي، فجاء أصحاب الحديث إِلَى أَبِي بَكْر بْن زهراء وسألوه أن يدفنوا الخطيب فِي قبره وأن يُؤْثِرُوه به، فامتنع وقال: موضع قد أعددته لنفسي يؤخذ منّي؟!

فلمَّا رأوا ذلك جاءوا إِلَى والد أَبِي سعْد، وذكروا له ذلك، فأحضرَ أَبَا بَكْر فقال: أَنَا لا أقول لك أعْطِهِم القبر، ولكن أقول لك لو أن بِشْرًا الحافي فِي الأحياء، وأنت إِلَى جانبه، فجاء أَبُو بَكْر الخطيب ليَقْعد دونك، أكان يَحْسُن بك أن تقعد أعلى منه؟ قال: لا، بل كنت أقوم وأُجِلسه مكاني.

قال: فهكذا ينبغي أن تكون الساعة.

قال: فطاب قلبه، وأذِن لهم فدفنوه فِي ذلك القبر٣.

وقال أَبُو الفضل بْن خَيْرُون: جاءني بعض الصالحين وأخبرني لمّا مات الخطيب أنه رآه فِي المنام، فقال له: كيف حالك؟ قال: أنا في روح وريحان، وجنة نعيم.


١ سير أعلام النبلاء "١٣/ ٥٩٩"، وتذكرة الحفاظ "٣/ ١١٤٤".
٢ انظر المصدر السابق.
٣ انظر المصدر السابق.