مكي، فتكلم الناس فِي ذلك. وكان أمير البلد رافضيا متعصبًا، فبلغته القصة، فجعل ذلك سببًا للفتك به، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالليل ويقتله، وكان صاحب الشرطة سنيا، فقصده تلك الليلة مع جماعةٍ، ولم يمكنه أن يخالف الأمر فأخذه، وقال: أمرت فيك بكذا وكذا، ولا أجد لك حيلة إلّا أني أعبر بك إلى دار الشريف ابن أبي الجن العلوي، فإذا حاذيت الباب اقفز وادخل الدار، فَإِنِّي لا أطلبك، وأرجع إِلَى الأمير، فَأَخْبَرَه بالقصة.
ففعل ذَلِكَ، ودخل دار الشريف، فأرسل الأمير إِلَى الشريف أن يبعث به، فقال: أيها الأمير، أنت تعرف اعتقادي فِيهِ وَفِي أمثاله، وليس فِي قتله مصلحة.
هَذَا مشهور بالعراق، إن قتلته قُتِل به جماعة من الشيعة، وخربت المشاهد.
قال: فَمَا ترى؟ قال: أرى أن يخرج من بلدك.
فأمرَ بإخراجه، فراح إِلَى صور، وبقي بها مدّة.
قال ابنُ السمعاني: خرج من دمشق فِي صفر سنة سبعٍ وخمسين، فقصد صور، وكان يزور منها القدس ويعود، إلى أن سافر ستة اثنتين وستين إِلَى طرابلس، ومنها إِلَى حلب، فبقي بها أيامًا، ثُمَّ ورد بغداد فِي أعقاب السنة.
قال ابن عساكر: سعى بالخطيب حسين بن علي الدمنشي١ إلى أمير الجيوش وقال: هو ناصبي يروي فضائل الصحابة وفضائل الْعَبَّاس فِي الجامع.
وقال المؤتمن الساجي: تحاملت الحنابلة على الخطيب حَتَّى مال إلى ما مال إليه، فَلَمَّا عاد إِلَى بغداد وقع إليه جزء فِيهِ سماع القائم بأمر اللَّه، فأخذ الجزء وحضر إِلَى دار الخلافة، وطلب الإذن فِي قراءة الجزء.
فقال الخليفة: هَذَا رَجُل كبير فِي الحديث، وليس له فِي السماع من حاجة، ولعلَّ له حاجة أراد أن يتوصل إليها بِذَلِك، فَسَلُوه ما حاجته؟ فَسُئل، فقال: حاجتي أن يُؤْذَن لي أن أُمْلي بجامع المنصور.
فتقدم الخليفة إِلَى نقيب النقباء بالإذن له فِي ذلك، فأملي بجامع المنصور.
وقد دُفن إِلَى جانب بشر.
١ الدمنشي: نسبة إلى دمنش: هكذا قال ياقوت "معجم البلدان "٢/ ٧١".